Uncategorized

مقال رأي : مليشيا فاغنر الزطاط في بلاد السيبة

بقلم ابراهيم الانصاري

ربما يبدو العنوان غريبا بعض الشيء، خاصة لمن ليس له اهتمام بتاريخ المغرب، لكنه يحمل دلالات عميقة لمن لديه إلماما أو اطلع بذلك التاريخ.
الزطاط هي مهنة أو حالة انتشرت في ما يعرف بالمغرب العميق في القرن الثامن عشر‘ مع انتشار مفهوم بلاد المخزن وبلاد السيبة، حيث تقتصر سلطة السلاطين وعمالهم وقوادهم وبشواتهم على رقعة جغرافية معينة، بينما تنتشر الفوضى والانفلات الأمني في بلاد السيبة، الأمر الذي جعل البعض يستثمر هذا الوضع بتقديم خدمات حفظ الأمن، وتأمين المسافرين ومرافقتهم وحفظ أزوادهم وأموالهم وتجارتهم، والقائم بهذا العمل هو من كان يطلق عليه “الزطاط” وتشبه حالة الزطاط إلى حد كبير ما كان يعرف بالفتوة الحارات في مصر، والعقيد في حارات الشام، غير أن أولئك يختصر عملهم على حماية الناس وتنظيم حياتهم داخل نطاق الحارات وما جاورها، فيما يعتبر عمل الزطاط أكثر شمولية.

حالة الزطاط تلك مع بعض الفروقات والتطوير هي نفسها التي تجسدها منذ مدة مليشيا فاغنر الروسية في عدد من البلاد الإفريقية، حيث يقوم عمل الم على حماية بعض الأنظمة الحاكمة في القارة كما تقدم الحماية للمسئولين، إضافة إلى فرض النظام، مستخدمة في سبيل ذلك كل الطرق اللازمة من وجهة نظرها دون قيد أو شرط.
والناظر إلى القارة الافريقية اليوم يرى تزايدا ملحوظا في نفوذ فاغنر، حيث تنتشر من إقليم دارفور غرب السودان في شرق القارة، مرورا بمالي وانتهاء بجمهورية أفريقيا الوسطى، وهذه الدول ليست حصرا لتواجد المليشيا وإنما على سبيل المثال فقط.
وينقسم تواجد فاغنر في هذه الدول بين المعلن الرسمي كما في حالة مالي وافريقيا الوسطى، وأخرى سري كما هو في حالة السودان حيث تتواجد تحت غطاء التنقيب في مناجم الذهب.
ومن خلال عمليات المليشيا فإنها تتجاوز كونها وحدات أو مرتزقة تقوم بتقديم خدمات أمنية في مقابل امتيازات مادية، إلى عنصر فاعل داخل بلادن تواجدها، يؤثر بشكل مباشر في توجيه سياسة البلاد، وهذا ما حصل في مالي بالتحديد، حيث تؤكد عدة مصادر مطلعة أن طلب السلطات المؤقتة المالية في مالي من الجانب الفرنسي الانسحاب هو جزء من الاتفاق من فاغنر، حيث يمثل التواجد الفرنسي نوع من المنافسة على النفوذ.
ونظرا لاحترافية مليشيا فاغنر في العمليات القتالية، وارتفاع مستوى تسليحها، مقارنة بالدول الإفريقية التي تنشط فيها، تحولت من مستخدم إلى صاحب قرار، ومن موظف بأجر إلى شريك متنفذ، الأمر الذي يفسر استقبال يفغيني بريغوجين لبعض القادة الأفارقة في القمة الروسية الإفريقية التي عقدت قبل مدة في سانبطرسبيرج.
ويكفي أن نعرف أن دولة عظمى مثل روسيا استعانت بمرتزقة في حربها مع أوكرانيا، وما ذلك إلا اعتمادا على مدى إمكانياتها، وكفاءتها القتالية.
لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة، هل أحسنت الدول الإفريقية التي استعانت بمرتزقة فاغنر اختيار الحليف؟
قبل محاولة الجواب على هذا السؤال لا بد من التأكيد على دولا مثل مالي وبوركينافاسو والنيجر التي ارتبطت بفرنسا منذ الاستقلال قد وصلت إلى نتيجة مفادها أن الإبقاء على الولاء لفرنسا يعني بقاء تلك الدول في الهاوية، وأن الخروج من التبعية لفرنسا مهما كلف لن يكون أكثر سواء من البقاء معها.
ومن هنا فإن الاختيار جاء على طريقة ” أنا الغريق فما خوفي من البلل”، كما أننا لنقدم حكما واقعيا على الاختيار علينا القياس على بعض الحالات، فما هو الواقع الفعلي لحلفاء روسيا، سلما وحربا، وما مدى مساهمة الجانب الروسي في تنمية وتقدم ونمو ونماء حلفائه.
الواقع أن روسيا في هذا المضمار ليست أكثر من بائع للأسلحة، ومليشيا فاغنر ليست أكثر من آلة قتل، والحالة السورية أكبر شاهد على ذلك، وبالتالي فلا يمكن التعويل على الجانب الروسي الرسمي او الميليشياوي في أكثر من ذلك.
وعلى أرض الواقع، فإن تواجد المليشيا على أرض الواقع يجعلها بديلا متحكما في بعض الموارد الطبيعية في الدول التي تنشط فيها، ما يعني أنها في هذا الجانب تمثل الوجه الأخر للعملة التي تمثل فرنسا وجهها الأخر، إضافة إلى أن ممارسات المليشيا على الأرض كما في الحالة المالية تتحدث عن أعمال قتل واعتقال واستيلاء ممتلكات لمدنيين عزل على نطاق واسع، الأمر الذي يجعل طول بقائها نذير شؤم.

بعد كل هذا من حلول؟
هذا ما سوف أتحدث عنه في المقال القادم

خاتمة:

القوة التي لا تنبع من شعبية في أي بلد إلى زوال مهما طال أمدها.

You May Also Like

الشرق الأوسط

لا يزال الحديث عن جماعة “الأحباش” الدينية في الأردن وتمددها وصعودها يثير العديد من التساؤلات عن حقيقة تلك الجماعة بين الفينة والأخرى، فمن هي...

غرب إفريقيا والساحل

كشفت جماعة نصرة الإسلام و المسلمين في مالي مقتل 70 مسلحا ممن وصفتهم بالخوارح، في إشارة إلى ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وذلك...

غرب إفريقيا والساحل

عثمان اغ محمد عثمان أدى هجوم شنته ميليشيات فاغنر الروسية برفقة عناصر من الجيش المالي، اليوم الثلاثاء، على السوق الأسبوعي لقرية “كيتا”، شمالي مالي،...

شمال إفريقيا

قاد العميد اغلس محمد أحمد، قائد الكتيبة 173 المشاة في أوباري، يوم الثلاثاء، مناورات عسكرية استباقية قوية، تهدف إلى تصدّي أي تهديدات محتملة من...

Copyright © 2021 AfricanPerceptions.org

Exit mobile version