
أعرب جورج فرادنبرغ، مؤسس مبادرة دافوس لألزهايمر (DAC)، عن قلقه العميق إزاء تزايد أعداد المسنين وانتشار الاضطرابات العقلية على مستوى العالم.
ووصف هذا الاتجاه بأنه بلغ مستويات قياسية، مشددا على ضرورة التصدي لـ”جائحة” الاضطرابات الدماغية باعتبارها أولوية قصوى لكل من قطاع الصناعة والمجتمع الصحي العالمي.
وأكد فرادنبرغ أن العالم بحاجة إلى جهد عالمي مشترك لإنشاء “اقتصاد الدماغ الصحي”، مماثل في التزامه واستثماراته لما تم بذله للوقاية من أمراض الطفولة.
الدماغ في قلب أجندة دافوس
ووجه فرادنبرغ تحذيرا عالميا خلال اليوم الختامي لسلسلة “بيت الدماغ”، وهي جلسات وندوات استمرت لثلاثة أيام ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) في دافوس، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تنظيم حدث مماثل ضمن المنتدى.
وقال فرادنبرغ خلال كلمته “نحن نعيش في عصر يتسم بتغيرات ديموغرافية كبرى، حيث تؤدي الشيخوخة إلى انتشار سريع للأمراض المزمنة، لا سيما الاضطرابات الدماغية، وهذا يحمل تكلفة باهظة للحكومات والعائلات، وحتى للأفراد أنفسهم”.
وعلى غرار النهج الكلاسيكي لدافوس، لم تقتصر النقاشات في “بيت الدماغ” على عرض الأبعاد الصحية للمشكلة، بل سلطت الضوء أيضا على أبعادها الاقتصادية وتأثيرها على القوى العاملة، مما جعل الاستثمار في صحة الدماغ ضرورة اقتصادية عالمية.
اقتصاد الدماغ.. أزمة أم فرصة؟
نظرا للتغيرات الديموغرافية، سيصبح عدد العمال القادرين على دعم أعداد متزايدة من المسنين أقل فأقل، مما قد يؤثر على مستويات الازدهار الاقتصادي، خاصة في الدول الصناعية.
وفي هذا السياق، حذر فرادنبرغ من “إذا كان لدينا عدد أقل من العمال مقابل أعداد أكبر من المسنين، ولم ننجح في تعزيز الإنتاجية والمشاركة الاقتصادية، فلن يكون عالمنا في نهاية هذا القرن كما كان في بدايته”.
وتابع “نحن بحاجة إلى التحول من عالم سلبي الدماغ – حيث يعمل عدد أقل من الأدمغة ويزداد عدد المصابين بالأمراض العقلية – إلى عالم إيجابي الدماغ، حيث يساهم العقل البشري في النمو الاقتصادي وفي تحسين الصحة العامة”.
وفي هذا الإطار، أشارت لوسي بيريز، الشريكة في معهد ماكينزي للصحة (MHI)، إلى أن معالجة قضايا صحة الدماغ قد توفر 26 تريليون دولار من الفرص الاقتصادية، منها 12 تريليون دولار من خلال استثمارات تعزز صحة الموظفين وأدائهم في مكان العمل.
وأفادت بيريز أن الأبحاث التي أجرتها MHI، بالتعاون مع DAC ومنظمة “نحن ضد ألزهايمر” الأمريكية، أظهرت أن الاستثمار في صحة الدماغ يمكن أن يحسن أداء القوى العاملة، ويحفز الابتكار، ويعيد ملايين السنوات من العمر الجيد التي تُفقد حاليًا بسبب الإعاقات العقلية.
التحديات الاقتصادية لاضطرابات الدماغ
لكن في مقابل هذه الفرص، هناك تكاليف هائلة، إذ تكبد اضطرابات الدماغ الاقتصاد العالمي حاليا 5 تريليونات دولار سنويا، ومن المتوقع أن يقفز هذا الرقم إلى 16 تريليون دولار بحلول عام 2030، وفقا لتقديرات MHI.
ولفتت بيريز إلى أن أرباب العمل يواجهون صعوبة في التعامل مع قضايا صحة الدماغ، بسبب الطبيعة المجزأة للحلول المتاحة، حيث يتم التعامل مع الصحة العقلية وأداء الموظفين بشكل منفصل، مما يخلق بيئة معقدة يصعب التنقل فيها.
مقاربة شاملة لصحة الدماغ
وبالنسبة لفرادنبرغ، كانت رحلته في هذا المجال مدفوعة بتجربة شخصية، حيث شهد معاناة ثلاثة أجيال من عائلته بسبب مرض ألزهايمر، لكنه أدرك سريعا أن التركيز على ألزهايمر وحده غير كاف.
لذلك، تبنت مبادرة DAC نهجا أكثر شمولية عبر دورة الحياة، يربط صحة الدماغ بعوامل متعددة مثل التغذية قبل الولادة، الصحة البيئية، التغير المناخي، وأنماط الحياة، التي قد تزيد أو تقلل من مخاطر الإصابة بالأمراض العقلية.
وصرح فرادنبرغ “لقد أدركنا أن مرض ألزهايمر لا يمكن الوقاية منه أو علاجه إلا من خلال نهج شامل يمتد من صحة الأم إلى الصحة العقلية، ومن الإجهاد في مكان العمل إلى العلاجات القلبية والتمثيل الغذائي، ومن التوحد إلى ألزهايمر”.
وأضاف “علينا تحسين التغذية، وإصلاح نظامنا التعليمي، وتعزيز صحة الأمهات، حتى يتمكن الأطفال في سنواتهم الأولى من تطوير أدمغتهم على النحو الأمثل لتحقيق أحلامهم في الحياة”.
كيف نوقف “جائحة” اضطرابات الدماغ؟
أطلق فرادنبرغ تساؤلات محورية حول كيفية تحقيق التغيير المطلوب، قائلا “كيف يمكننا وقف جائحة الاضطرابات الدماغية بنفس الطاقة والالتزام اللذين تم تطبيقهما في الوقاية من أمراض الطفولة؟”
وأكد أن هذه ليست جائحة ناتجة عن عدوى، بل عن تغيرات ديموغرافية، إلا أن تأثيراتها على العالم تضاهي تلك التي تسببها الأوبئة التقليدية.
واختتم حديثه بالتأكيد على أهمية الاستثمار في تنمية العقول الشابة لتعزيز الصحة والإنتاجية، سواء على المدى القريب أو خلال العقود المقبلة.