في السنوات الأخيرة، واجه تنظيم داعش في مالي ضغوطا متزايدة أدت إلى تشتيت قواه وزعزعة استقراره، وتعكس هذه الضغوط تعقيدات الوضع الأمني والسياسي في المنطقة، ويمكن أن تؤدي إلى تغييرات جوهرية في المشهد العام.
ووراء هذه الضغوط ثمة أسباب رئيسية تستدعي تحليلا دقيقا، نستعرضها بالتفصيل..
- فشل إدارة التنظيم
أظهرت تجربة الشعوب في مواجهة تنظيم داعش أنهم يفتقرون إلى إدارة فعالة، حيث تتسم القيادة بالفوضى، وتكون للزعيم الكلمة العليا دون اعتبار لآراء الآخرين.
وهذا النظام الاستبدادي دفع الكثير من الأفراد إلى إعادة تقييم ولاءاتهم، مما ساهم في تفكيك التنظيم.
- مقتل القادة
في ديسمبر 2024، قُتل زعيم بارز للتنظيم في منطقة تايكرين، مما أحدث صدمة في صفوف داعش. هذا الحادث دفع العديد من الجنود فى كل من أريبندا وبوركينا فاسو، الذين كانوا مرتبطين بشخصيات تعمل لصالح داعش دون قناعة فكرية، إلى العودة إلى صفوف “نصرة الإسلام والمسلمين”، وهذه العودة تعكس عدم الاستقرار الداخلي وفقدان الثقة في القيادة.
- تراجع شعبية القيادة الحالية
موسى مومن، شخصية مثيرة للجدل في تنظيم داعش الذي يشغل حاليا مركز القيادة في منطقة الساحل الإفريقي وخاصة مالي، أصبح غير مرغوب فيه لدى العديد من الأفراد في التنظيم. واتهمه البعض بأنه يعمل لصالح قبيلته الخاصة، مما أثر سلبا على شعبيته، على الرغم من نشاطه وتأثيره في الماضي، إلا أن الاتهامات الموجهة إليه بكونه “عنصريا ” ساهمت في تآكل قاعدة دعمه.
وموسى مومن نشأ في بيئة تقليدية، حيث تأثرت حياته بقيم القبيلة والعشائرية، مما لعب دورا في تشكيل رؤيته السياسية واستراتيجيته العسكرية.
وبدأ مومن نشاطه في مجال التهريب ونقل الحبوب على الحدود بين بوركينا فاسو ومالي، حيث اكتسب خبرة في التعامل مع التحديات اللوجستية، وانتقل لاحقا إلى العمل مع تنظيم القاعدة، حيث كان له دور فعال تحت قيادة الزعيم منصور اغ القاسم، الذي قُتل على يد القوات الفرنسية. بعد ذلك، انضم مومن إلى داعش، مما أتاح له فرصة توسيع نفوذه في المنطقة.
وتولى موسى مومن قيادة مجموعة من المقاتلين، وسرعان ما أصبح شخصية مركزية في التنظيم، ومع ذلك، تعرضت سلطته لانتقادات متزايدة من قبل مقاتلين آخرين، حيث اتهمه بعضهم بالانحياز إلى مصالح قبيلته على حساب الأهداف الجماعية للتنظيم.
وبعد مقتل زعماء بارزين في داعش، بما في ذلك أحد قادته في تايكرين، بدأت تظهر بوادر ضعف في التنظيم، واجه مومن تحديات كبيرة في الحفاظ على ولاء مقاتليه، حيث اتهمه البعض بأنه “عنصري” و”رجل قبيلة”، مما أدى إلى تراجع شعبيته.
وفي محاولة لتعزيز موقفه، ابتكر مومن فكرة “التجارة بالشعوب”، حيث قام باختطاف مدنيين من مناجم الذهب في تايكرين وطلب فدية قدرها 20 مليون فرنكا سيفا، كما تكررت حوادث الاختطاف، مثل حادثة 7 يناير الجاري، عندما اختطفت جماعته سيارة تقل ثلاثة مدنيين شرق غاو، مما يدل على اعتماد داعش المتزايد على هذه التكتيكات لتمويل نشاطاته.
وكل هذه الأحداث أضعفت داعش في مالي فهو يواجه تحديات داخلية وخارجية تؤثر على قدرته على البقاء، فتفكك القيادة، وتراجع الشعبية، وعمليات الاختطاف كوسيلة للتمويل، تشير إلى أن التنظيم في مرحلة حرجة.
بقلم عبدالله الكريلي