د.أمينة العريمي
“إعلان نيروبي 2024 ليس كإعلان نيفاشا 2005، وإن تشابهت النوايا، وتوافقت الخطط، وتلاقت رؤوس الشر، فعار على الخرطوم أن تشرب من نفس الكأس”، قد تبدو تلك مقدمة مختصرة لبعض من الشواهد والتداعيات السياسية والأمنية التي لمستها في البيئة السياسية والثقافية في منطقة الوسط والغرب الإفريقي بعد إعلان نيروبي الأخير.
ألقى إعلان نيروبي الأخير الذي وقعه رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” عبد الله حمدوك مع زعيم الحركة الشعبية – شمال” عبد العزيز الحلو، وقائد “حركة تحرير السودان” عبد الواحد نور موخراً بظلاله على معظم الصحافة الفرانكفونية في منطقة الغرب الإفريقي وإمتد تأثيره على معظم الإجتماعات الحزبية المؤثرة في بعض دول الغرب الإفريقي، فلسان حال معظم النخب السياسية الإفريقية الفرانكفونية يقول “إعلان نيروبي 2024 ليس كإعلان نيفاشا 2005، وإن تشابهت النوايا، وتوافقت الخطط، وتلاقت رؤوس الشر، فعار على الخرطوم أن تشرب من نفس الكأس”، مما أقنع الكثير من المشككين بفعالية دور عمل اللجان الإفريقية المشتركة والمرتبطة بعمل تلك الأحزاب على المستوى الشعبي بإعتبارها أحد الأطراف الداعمة لعمل المقاومة الشعبية السودانية حتى وإن أنكرها البعض، فقبل إعلان نيروبي بأيام قليلة كان لي شرف اللقاء مع مجموعة من الإعلاميين التابعين لمجلس إتحاد الإعلام الإفريقي في إحدى دول غرب إفريقيا، ومجموعة من مجلس الصداقة الإفريقي في كوت ديفوار يقودها رئيس المجلس السيد “جاراسوابا” والنائب المكلف بالشؤون الخارجية السيد “وتارا”، وبما أن الأزمة السودانية وتطوراتها المتلاحقة هي الحدث الأهم في الصحافة الإفريقية “الفرانكفونية” أثار أعضاء المجلسين مسألة دعم الإعلام العربي إن أمكن لأبرز التحالفات الناشئة في الغرب الإفريقي والذي يعرف بالفرنسية باسم “Un devoir africain sacré” ويعني باللغة العربية “الواجب الإفريقي المقدس” الذي تراه النخب السياسية الإفريقية بأنه أبرز ما أنتجته الأزمة السودانية بعد تصاعد موجة الإلتفاف الشعبي حول الجيش السوداني، وباتت تدرجه في أحاديثها الصحفية والحزبية بإعتباره جزء من الدبلوماسية الشعبية الإفريقية “الجديدة” التي برزت بعد موجة التحرر التي شهدتها منطقة الساحل الإفريقي والطامحة إلى توسيع دورها في شرق القارة الإفريقية، فكان جوابي واضحاً لأعضاء المجلسين: “أعضاء المجالس الموقرة، حتى يبقى واجبكم الإفريقي “مقدس” كما وصفتموه ويحتفظ بدوره المناط إليه ويحقق أهدافه بعيداً عن الإختراق وعبث المخربين أتمنى أن تبعدوه عن أي مكون أجنبي عربي كان أو غربي، فليكن تحالفكم تحالفاً إفريقياً خالصاً كما ولد”.
ترى معظم النخب الإفريقية في الغرب الإفريقي بأن الإعلام العربي أخفق في نقل الصورة الكاملة للأزمة السودانية منذ بدايتها وإجتزأ منها الكثير من الحقائق رغم تأكيد التقارير الدولية على حجم الكارثة التي تستهدف كينونة الدولة السودانية، وعليه تولت بعض وسائل الإعلام الإفريقي والتي تلاقي رواجاً إفريقياً تلك المهمة ناهيك عن ورش العمل والحوارات الثقافية التي تجمع أبرز الباحثين والناشطين السياسيين من مختلف العواصم الإفريقية.
فيما يتعلق بالتعاطي السياسي “الأفريقي” خاصة في أفريقيا الفرانكفونية” حول الملف السوداني متطور، أرى أن هناك ثلاثة نقاط رئيسية باتت تشكل هاجساً للإدارة الأمريكية “وفقاً لوجهة نظر إفريقية” وأرى أن واشنطن سوف تعمل على تطوير أدواتها الدبلوماسية للوقوف على حقيقة تأثيرها مستقبلاً:
النقطة الأولى: بروز لجان مشتركة في بعض دول منطقة الوسط والغرب الإفريقي داعمة للمقاومة الشعبية السودانية، تلك المنطقة التي تحاول الإدارة الأمريكية فرض نفوذها الأمني والسياسي فيها بعد التقهقر الجزئي الذي أصاب الحضور الفرنسي هناك، خاصة أن عمل تلك اللجان يحظى بدعم شعبي واسع وبات طريقاً لتعزيز الوحدة الوطنية في تلك الدول، ناهيك عن تبني العديد من الأحزاب السياسية فيها لرؤية الجيش الوطني السوداني بإعتباره الممثل الشرعي للدولة السودانية.
النقطة الثانية: تبني النخب السياسية الإفريقية لوجهة نظر تكاد تكون موحدة مفادها “السودانيون لم يكونوا ينتظرون موقفاً داعماً من المشرعين الأمريكان ولا تصديقاً من الإدارة الأمريكية يؤكد ما طالبت به قيادة الجيش السوداني بضرورة إلتزام المجتمع الدولي بأخلاقياته التي لا يطبقها لوقف الإمداد العسكري المتدفق لمليشيات الدعم السريع المتعددة الجنسيات، حتى وإن كان موقف المشرعين الأمريكيين أحد الأسباب التي دعمت تنامي وتيرة المقاومة الشعبية السودانية المسلحة.
النقطة الثالثة: خشية الأنظمة السياسية خاصة في الغرب الأفريقي “الفرانكفوني” من تمدد نشاط بعض المكونات الوطنية الساعية إلى الإنفصال عن الدولة المركزية والتي وجدت في مشروع قائد مليشيا الدعم السريع “حميدتي” العابر للحدود ملاذاً لها، وهذا ما أوجب على القيادات السياسية في الساحل الأفريقي خاصة وفي الغرب “الفرانكفوني” عامة تبني إستراتيجية ما يطلق عليها “prolongement africain” وتعني باللغة العربية “الإمتداد الأفريقي”، ومن الجدير بالذكر أن بعض المصادر الأفريقية أشارت إلى أن أنقرة أحد أهم الأطراف الداعمة لذلك التوجه الإستراتيجي الإفريقي، وهذا ما دفع واشنطن ومن خلال وفودها الثقافية إلى حضور الجلسات الحوارية لكبرى الأحزاب السياسية في معظم الدول الأفريقية الفرانكفونية للوقوف على حقيقة ما يحدث،وحضور وفود أمريكية إلى إجتماع “حزب الشعوب الإفريقية\Parti des peoples africains” التابع للرئيس الإيفواري السابق “لوران باغبو” الذي عقد في مايو الجاري لهو دليل على الحراك الأمريكي لفهم حقيقة المواقف الإفريقية حول الملف السوداني.
د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي
afrogulfrelations_21@hotmail.com