طرابلس / طارق عبدالقادر
يبدو أن المشهد الليبي سيكون مختلفا في سنة 2023 عن السنوات التي سبقتها وقد يكون سببا في نوع من الاستقرار النسبي الذي يجد فيه الليبيون فرصة لجمع شتاتهم وترتيب أوراقهم من جديد.
فقد كانت زيارة رئيس المخابرات الأمريكية ( CIA ) ويليام برنز في منتصف يناير الماضي بمثابة صافرة البداية لانطلاق سباق التموضع الجديد وكل فريق سياسي أو عسكري في ليبيا سيتحرك في المرحلة القادمة مثأثرا بهذه الزيارة إما باتجاه الإرادة الأمريكية أو ضدها.
وكعادة الولايات المتحدة في تنفيذ سياساتها ترسم أهدافها ثم تحرك حلفاءها وأذرعها في المنطقة للضغط باتجاه ما تريد تحقيقه.
ومع إن الهدف من الزيارة غير معلن إلا أن التسريبات والمؤشرات تدل على أن الهدف الأساسي هو محاصرة الوجود الروسي في ليبيا والضغط لإخراج مرتزقة الفاغنر أو على الأقل إبعادهم عن حقول النفط الليبي وموانئ تصديره.
وقد اختلف المتابعون في تحديد من تفضله أمريكا ليتولى هذه المهمة ولكن يبدو أن الإدارة الأمريكية لم تختر بعد وهذا ما يفسر حدة التجاذبات بين حكومة الدبيبة بطرابلس وبين خصومها الذين يعتبرونها حكومة غير شرعية. فالدبيبة يسوق لأنصاره أن الأمريكان راضون عنه -خصوصا بعد تسليمه أحد المتهمين بقضية (تفجير وإسقاط طائرة ركاب أمريكية سنة 1988 فوق قرية لوكربي بأسكتلندا) والمعروفة بقضية لوكربي-.
بينما يسوق خصومه أن أمريكا تدفع باتجاه تشكيل حكومة جديدة يتوافق تحت لوائها كل الأطراف المتنازعة حاليا.
وفي نفس الوقت تتحرك الدول ذات المصالح المتداخلة في ليبيا كل بحسب قوة حلفائه وتأثيرهم في المشهد ويسعى كل طرف سياسي للتنسيق مع الدولة الراعية له ليلعب الدور المتوافق مع سياسة تلك الدولة ومدى قربها وبعدها من الموقف الأمريكي ضد روسيا.
أمريكا بدورها أعلنت مجموعة فاغنر كمنظمة إجرامية بعد زيارة برنز بأيام مما يؤكد أن الزيارة كانت فعلا لهذا الغرض.
كما تسربت بعض المعلومات التي تفيد بأن حفتر القائد العسكري الذي يسيطر على شرق وجنوب ليبيا يجد نفسه عاجزا عن مواجهة الفاغنر وهو من فتح لهم الباب للدخول في السابق بمباركة مصرية وسعودية في فترة رئاسة ترمب٫ كما يجد حفتر نفسه مضطرا للقبول بما ستفرضه أمريكا على الخارطة الليبية ومنها الوجود العسكري التركي في ليبيا الذي كان يرفضه مما يعني أنه سيضطر لتغيير موقفه وتحالفاته لتتوافق مع السياق الجديد إو ينسحب من المشهد تاركا الطريق مفتوحا أمام أبنائه ليتقاسموا السلطة مع حكومة الدبيبة بطرابلس ويحافظوا على ما حققوه من مكاسب.
بعض الأجسام والفصائل والكيانات السياسية الأخرى وعلى رأسها البرلمان والمجلس الأعلى للدولة تحاول أن يكون لها دور ـ أي دور ـ المهم أن تبقى داخل المشهد. وهي الآن تحاول تدارك ما أضاعته من فرص لتمدد لنفسها من جديد بحجة أنها تنتظر الانتخابات. وهي في واقع الأمر لا تملك على الأرض شيئا وليس لها أي ثقل لكن لأن رؤساءها متحالفون مع دول إقليمية فهي مستمرة في عرقلة المسار الانتخابي للبقاء أطول فترة ممكنة.
وفي نفس الوقت نرى نشاطا لبعض الكتل والأفراد الذين كانوا في المشهد السياسي سابقا يحاولون الاستفادة من الانقسام والتشطي ويحجزوا لأنفسهم مكانا بحجة البحث عن سلطة تشريعية أو تنفيذية بديلة عن الموجود.
والجدير بالذكر أن روسيا تعتبر أن أنصار القذافي هم حلفاؤها الحقيقيون في ليبيا وهم كذلك وتسعى روسيا لدعمهم حتى يتمكنوا من العودة إلى السلطة من جديد وهم يعتبرون أمريكا عدوا لهم لأنها قتلت زعيمهم 2011 وموقفهم سيكون مؤيدا لروسيا لكنهم قد يعجزون عن الدفاع عن مصالحهم ومصالح حليفتهم روسيا.