نهائيات كاس العالم في قطر حافلة بالمفاجئات داخل وخارج الملاعب، لكن أبرزها قاطبة الأداء المذهل لمنتخب المغرب الذي فاق كل التوقعات, فصفحات التاريخ الي يعيد كتابتها تعد انتصار لكل القارة الافريقية والفرق العربية وتكليل لمسيرة كفاح طويلة امتدت لعقود.
قصة افريقيا مع كأس العالم شهدت العديد من الفصول التي لم تكن دوما مشرقة, و بلغت العلاقات بين القارة السمراء واتحاد الكرة العالمي الحضيض في الستينيات عندما قاطع 31 فريقًا أفريقيًا تصفيات كاس العالم احتجاجًا علي ترجيح كفة دول أوروبا وأمريكا الجنوبية وتهميش الفرق الآسيوية والأفريقيةالتي تتنافس على مراكز تأهل محدودة.
مصر كانت أول فريق افريقي يتاهل للمونديال عام 1934 و الذي أقيم في إيطاليا وتم اقصائها من الدور الأول. تأهل المغرب لمونديال المكسيك في عام 1970، وسجل اولي نقاط أفريقيا بالتعادل بهدفين مع بلغاريا. كانت مشاركة زائير في نسخة 1974 دون المستوى، لكن تونس تلتها بعد أربع سنوات لتهدي أفريقيا اول انتصار في كاس العالم.
في عام 1982 ثم منح افريقيا مقعد أضافي في النهائيات, لتتأهل بذلك دولتان أفريقيتان لأول مرة، الجزائر والكاميرون. كان أداء الكاميرون جيدا اد لم في مجموعتها، بينما أصبحت الجزائر قاب قوسين او ادني من التأهل الي الأدوار الاقصائية بعد هزيمتها كل من منتخبي ألمانيا الغربية بطلة أوروبا و فريق تشيلي. لكن للأسف لم يتكلل الحلم بالنجاح بعد أن تحطمت قلوب الجزائريين فيما عرف لاحقا كأسواء فضيحة في كاس العالم.
بعد ان لعب الجزائر مباراته الأخيرة في المجموعة و فاز علي تشيلي، قامت المانيا والنمسا بحسبة بسيطة لتجدا انه في حال فوز ألمانيا بأقل من ثلاثة أهداف علي النمسا، فإن الفرق الثلاثة ستتساوى في النقاط وستتأهل ألمانيا والنمسا بحساب فارق الأهداف.
يوم المباراة وبمجرد ان سجلت المانيا هدف ضد النمسا، تغيير نمط و إيقاع اللعب تماما، و امضي اللاعبين باقي الوقت في تمرير الكرة ذهابًا وإيابًا كما لو كان تمرينًا. سرعان ما أدرك المشجعون والمعلق ما يجري لتعلو صافرات الاستهجان في الملعب، ولوح البعض بأرواق مالية امام الكاميرات في إشارة منهم الي ان نتيحه المباراة ثم بيعها سلفا. عرفت تلك الحادثة بفضيحة خيخون نسبة للمدينة التي اقيمت عليها المباراة. ولتجنب تكرار ذلك تم تعديل لوائح كأس العالم بحيث يتم لعب الجولة الأخيرة من دور المجموعات في نفس الوقت
في كاس العالم 86 جاء فريق المغرب في مجموعة تضم احدى اقوى الفرق المشاركة آنذاك: إنجلترا وبولندا والبرتغال. كان غالبية لاعبي المغرب محليين باستثناء ستة محترفين في أوروبا, لذلك تجاهلتهم وسائل الاعلام تماما في المؤتمر الصحفي و اولوا جل اهتمامهم بنجوم الفرق الاوروبية في المجموعة. لكن رد المغرب سياتي لاحقا.
في مباراته ضد بولندا, أظهر أسود الأطلس انضباطًا كبيرًا في الدفاع، واعتمد على الهجمات العكسية لتنتهي المباراة بالتعادل السلبي. لم تكن الجماهير راضية عن أداء الفريق لكن مدرب المنتخب البرازيلي خوسيه فاريا دافع عن خطته قائلا انه رغم الرغبة الدائمة للعب مباريات استعراضية ممتعة, لا يمكن فعل ذلك دوما في المحافل الدولية الكبيرة. وبالفعل حافظ المغرب على نفس الاستراتيجية أمام إنجلترا، وانتهت المباراة بتعادل اخر.
مع استعداد الفرق لأخر مباراة في دور المجموعات، كانت بولندا متصدرة بثلاث نقاط، وبحوزة كل من البرتغال والمغرب نقطتان, بينما جأت إنجلترا في ذيل المجموعة بنقطة واحدة فحسب. لم يكن امام المغرب ألا الفوز على البرتغال للوصول الي حيث لم يصل فريق افريقي قبلهم.
حافظ فاريا على ثقته بالفريق واجري تغييرات طفيفة لكنها كانت سحرية، رغم ترجيح المحللين كفةالبرتغال للفوز، لكن المغرب قام بسحقه بثلاثة اهداف مقابل هدف في مباراة حماسية صنع فيها المغرب التاريخ ليس كأول بلد أفريقي يصل إلى الأدوار الإقصائية لكأس العالم فحسب، بل ومتصدرا للمجموعة. و علي الرغم من خسارة المغرب في مباراتهم التالية امام المانيا، كان الاف من الناس في استقبالهم بالتهليل في ارص الوطن.
في كاس العالم 1998, انتهي الامر بالمغرب مرة اخري وسط مجموعة صعبة ضمت كل من بطلة العالم البرازيل والنرويج.الجدير بالذكر ان ميشبل بلاتيني اعترف لاحقا انه قد تم التلاعب بقرعة كأس العالم لضمان عدم لقاء البرازيل و فرنسا حتي المبارة النهائية. فيما تعادلت النرويج مع المغرب واسكتلندا، انتصرت البرازيل علي المغرب و استكتلندا مما ضمن تصدرها المجموعة. في اخر عشر دقائق على زمن انتهاء المباراتين الأخيرتين في المجموعة، بدا وكان المغرب سيحتل المركز الثاني إذا كان يكيل هزيمة ثقيلة لإسكتلندا بثلاثة اهداف للاشي، بينما كانت البرازيل متقدمة علي النرويج بهدف. لكن بشكل ما, تمكن النرويج من تسجيل هدفين متأخرين لتفوز بالمركز الثاني وتحل المغرب ثالثة في المجموعة مودعة المونديال.
في مونديال قطر، وضعت القرعة المغرب مرة أخرى في مجموعة صعبة ضمت كرواتيا وبلجيكا اللتين احتلتا المركزين الثاني والثالث في مونديال روسيا السابق 2018. ومرة اخري تم تجاهل امكانية تأهل المغرب و ترجيح كفة الفرق الاخري, لكن المغرب فجر المفاجأة مجددا وتصدر المجموعة.
في دور ال 16 واجه المغرب إسبانيا بطلة كأس العالم 2010. انتهى وقت المباراة الأصلي والإضافي بالتعادل بدون أهداف في مباراة ملحمية تمكن فيها الدفاع المغربي من ترويض الهجوم الاسباني. اثناء ركلات الجزاء الترجيحية قام حارس مرمي منتخب المغرب ياسين بونو بصد ركلتين. وعندما حان دور لاعب باريس سان جيرمان أشرف حكيمي تقدم ليسكن الكرة في شباك اسبانيا بكل هدوء، معلنا فوز المغرب في انجاز تاريخي اخر لم يسيقه له أي فريق افريقي او حتى اسيوي، فلطالما كان الربع نهائي حكرا على قارتي أوروبا وأمريكا الجنوبية.
عند الموعد المرتقب لمواجهة البرتغال في الربع نهائي، وضع الجميع أيديهم على قلوبهم طوال وقت المباراة الي ان جاءت صافرة النهاية معلنة فوز المغرب بهدف نضيف براسية للاعب يوسف النصيري.
نجم منتخب المغرب 1986 والمحلل الرياضي للعربي الجديد عبد الرزاق خيري قال إن منتخب المغرب تعامل بذكاء مع الضغط الكبير لمنتخب البرتغال في المباراة، مشيدا إلى التزام جميع عناصر الفريق بأدوارهم وفقا لخطة المدرب وليد الركراكي.
يستعد اسود الاطلس لمواجهة فرنسا في نصف النهائي، فقد انتصر مسبقا في معركة اكبر, ليثبت للفرق الافريقية و العربية قبل بقية العالم ان كرة القدم لا تعترف بالأسماء الكبيرة, و ان بإمكانهم الفوز و الوصول الي الأدوار النهائية.
بقلم: أدم الكوني.