Connect with us

Hi, what are you looking for?

غرب إفريقيا والساحل

الانسحاب الفرنسي والانتشار الروسي في منطقة الساحل.. الأسباب والتحديات

منذ انتهاء حقبة الاستعمار، أواسط القرن الماضي، ظل السواد الأعظم من دول القارة الافريقية يسبح في الفلك الفرنسي، ذلك أن تلك الدول كانت مستعمرات فرنسية سابقة تمكنت، أو مكنتها نتائج الحرب العالمية الثانية، من طرد المستعمر في شكله العسكري المباشر ليطل عليها برأسه في كافة تفاصيل الحياة، خاصة السياسية والثقافية.
ظلت فرنسا، على مدى العقود الستة الماضية تتعامل مع إفريقيا كحديقة خلفية خاصة بها، وتلجأ من حين لآخر لتدبير انقلابات في دول القارة لتصحيح مسار الولاء والمصالح، في ظل فرض هيمنتها الثقافية من خلال اعتماد اللغة الفرنسية بشكل كامل كلغة تعليم وإدارة.. وحتى لغة شارع في معظم بلدان القارة السمراء.
غير أن العديد من دول العالم الصناعية انتبهت، خلال العقدين الأخيرة، لأهمية السوق الافريقي، فبادرت كل منها لوضع قدم في تلك السوق التي تضم نحو نحو مليار ونصف مليار شخص يمثلون نسبة 17.8% من سكان العالم، فكانت الصين وتركيا أبرز الوافدين بصناعاتهم المختلفة والرخيصة.
غير أن دولا أخرى فضلت مزاحمة فرنسا، التي ظلت تستأثر بالسيطرة السياسية والعسكرية في إفريقيا، فكانت روسيا أول المزاحمين، وعبر بوابات مختلفة.
ولكي تضمن روسيا إخراج فرنسا من النافذة، عملت عبر مسارين متوازيين يضمنان ولاء السلطات الجديدة في بعض دول القارة وترحيب الشعوب، فكانت الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية.
لقد أدركت روسيا، وهي تخطط لقلب الطاولة على الفرنسيين في عقر مستعمراتها السابقة، أن الصفوف الأمامية في الجيوش والنخب المدنية لا يمكن أن يكونا ذراعيها في تلك العملية، نظرا لصلاتهم الوثيقة بالدولة الفرنسية، فعمدت إلى التنسيق مع صغار الضباط ومراهقي المجتمع لتقلب الطاولة على الجميع.
فجمهورية مالي، التي انطلقت منها شرارة التمرد على التبعية لفرنسا، شهدت، كما هو الحال لاحقا في بعض دول الساحل الافريقي كبوركينافاسو والنيجر، شهدت مظاهرات حاشدة ضد الوجود الفرنسي في المنطقة مطالبين بمزيد من التنسق العسكري مع روسيا بدلا من فرنسا، وقد جاء ذلك في ظل تردي الأوضاع الامنية والاقتصادية في دول الساحل التي شهد بعضها انقلابات عسكرية تزامنت مع أزمة حادة بين أوروبا و روسيا توشك أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة انطلقت شرارتها من أوكرانيا قبل ثمانية أشهر، ولم يلح في الأفق ما يبشر بإنهائها، حتى الآن.
وفي بوركينافاسو، تظاهر آلاف الشباب في واغادوغو، مطالبين برحيل السفير الفرنسي والقوات الفرنسية من البلاد، بالتزامن مع انقلاب عسكري أطاح بالرئيس وأسقط الحكومة وأغلق الحدود، وصاحبه اندلاع حريق في السفارة الفرنسية في واغادوغو.
وبعد أسابيع قليلة تجددت المظاهرات الشبابية في بوركينافاسو للمطالبة “برحيل السفير الفرنسي لدى بوركينا فاسو والجيش الفرنسي”.
وبعد توجيه رسالة للسفير الفرنسي لللمطالب بغادرة البلاد، اتجه المتظاهرون نحو القاعدة العسكرية الفرنسية المتمركزة في كامبوينسين للمطالبة بالرحيل الفوري للجنود الفرنسيين وبتفكيك القاعدة، وبرحيل فرنسا من المنطقة و استبدالها بروسيا.
ويقول ابراهيم صالح الانصاري، الصحفي والمتخصص في الشؤون الافريقية و رئيس مركز الساحل للدراسات، إن هذا الحراك يأتي بعد وصول الدول المرتبطة بفرنسا إلى القاع، وبعد أن أصبح الارتباط بها مقرونا باستمرار الأزمات وتعاقب الكوارث إضافة إلى التعاطي الفرنسي مع الدول بمنظور استعماري بحت حيث أن التدخل والتواجد والدعم الفرنسي مبني في أساسه على النظرة والمصلحة الفرنسية احادية الجانب دون النظر الى مصالح تلك الدول او تبعات التدخل الفرنسي فيها.
وأضاف الأنصاري، في تصريح لصحيفة الرؤى الافريقية الألكترونية، أن كل هذا يأتي دون تقديم فرنسا لأي دعم أو المساهمة في اي حل لازمات تلك الدول، مشيرا إلى أن الأداء الفرنسي والتدخل دائما ما تكون نتيجته ترسيخا للازمة وتعميقا، لها الأمر الذي يجعل حلها او الخروج منها اكثر صعوبة وأعلى كلفة، بحسب تعبيره.
أضف إلى ذلك، يقول الانصاري، مستوى الوعي لدى الشعوب الأفريقية ووضعها مقارنات بين الاتباط بفرنسا والانفكاك عنها، والذي يظهر بموضوح ان الخروج من الفلك الفرنسي افضل بكثير من البقاء فيه مهما كانت النتيجة.
أما مجدي اغ بوخدا، وهو أحد ابرز لقيادات الشبابية لطوارق مالي والجزائر وليبيا، فيقول أن روسيا إنما قامت بركوب ما وصفها بالموجة الصاعدة، مؤكدا أنها سوف تحاول استغلال تلك الموجة إلى أبعد الحدود.
وأوضح السيد بوخدا، في تصريح لصحيفة الرؤى الافريقية الألكترونية، أن موجة الرفض الشعبي للتواجد في الفرنسي في المنطقة منحت روسيا مستوى من القابلية الشعبية بدون ان تقدم شيء، على حد قوله.
لكن المشكلة الحقيقية، يضيف السيد بوخدا، ليست رغبة في روسيا بل في فشل المشاريع الفرنسية في المنطقة، مؤكدا إن ذلك الفشل، الذي بدأ منذ استقلال افريقيا إلى الآن، نتج عنه نوع من الفشل التام، وهو ما جعل الشعوب تبحث عن التغيير حتى في مسائل لا تقبل التغير.
ويؤكد السيد بوخدا أن الخاسر الأكبر في كل ذلك هو فرنسا وإفريقيا، مشيرا إلى أن كل طرف “أصيب بعقدة تجاه الطرف الآخر. في حين أن كل طرف ليس له خيار افضل من المضي مع بعض”، حسب تعبيره.
ويضيق أن روسيا سوف تستغل هذا الفراغ وهذا التنافر، مؤكدا أن مبادارات ما عبر عنه بالاستغلال الروسي تأتي من إفريقيا نفسها، وأن روسيا تبحث الآن، في ظل تورطها في المستنقع الأوكراني وحربها الباردة حتى الآن مع الغرب، عن أي شي من شانه أن يضايق الحلف الاطلسي، كما يقول السيد بوخدا، الذي يؤكد أن روسيا لا تستطيع ان تحل محل فرنسا وأوروبا في افريقيا نظرا للاختلاف العميق الثقافات، واصفا الروس بأنهم “خالين من العواطف وماديين أيضا، ومن الأفضل لهم التعامل مع افريقيا عن بعد.. اما اذا اختاروا ان يتلامسوا بشكل مباشر مع الافارقة فسوف يرحلون سريعا و لن يمكثوا ال60 عاما التي مكثتها فرنسا”.
ويبقى الرحيل الفرنسي والقدوم الروسي ضارة نافعة، بنظر السيد بوخدا، الذي أكد أن أفضل شيء في الوضع الراهن أن الافارقة سوف يكتشفون سبل الاعتماد على انفسهم، وضرورة البدء التعامل مع البلدان الاخرى من خلال مصلحة الافارقة و ليس مصلحة تلك الدول، مشيرا إلى أنه، ومن الناحية الأمنية في منطقة الساحل، فلن يتغير شيء بمغادرة فرنسا وأوروبا أو بقائهما، إذ أن الأمن منعدم في كلا الحالتين، فاستتباب الأمن “لن يتم لا بفرنسا ولا بأوروبا بل بتغيير بعض الاوضاع وحل بعض القضايا التي تسببت في انعدام الأمن مثل قضية ازواد وغيرها من القضايا المماثلة في عدة بلدان.. والذي جعل المشاكل تتفاقم ويزداد الوضع الامني سوء هو أن بعض الشعوب تحتاج الى تغييرات جذرية وأنظمة الدول لديها عدم قابلية لتلبية تلك المطالب الشعبية إلى أن خرج الوضع الأمني في منطقة الساحل عن السيطرة”.
ويمضي السيد بوخدا في القول “لن يستتب الأمن قبل العودة الى جذور المشكلة وحل القضايا العالقة ذات المطالب الشعبية الملحة”، مضيفا أنه “لكي تحل تلك القضايا العالقة يجب ان تضبط الانظمة الحاكمة في المنطقة لتستوعب تلك المطالب، فالطموحات الشعبية تكبر، والانظمة المتعنتة تراوح مكانها بدون أي تغيير، وقد لا تدرك الانظمة ذلك قبل ان يروا ان مجيء فرنسا او اوروبا او روسيا او ذهابهم لن يغير شيئا في الوضع الأمني”.
ويضيف: “الحل الوحيد هو انفصال إقليم أزواد عن دولة مالي التي لا تتقبله و
لا يتقبلها”، مؤكدا أن “كل خطوة في طريق غير الانفصال سوف تجعل الوضع الأمني الإقليمي والدولي أكثر سوء”، بحسب تعبيره.

You May Also Like

الشرق الأوسط

لا يزال الحديث عن جماعة “الأحباش” الدينية في الأردن وتمددها وصعودها يثير العديد من التساؤلات عن حقيقة تلك الجماعة بين الفينة والأخرى، فمن هي...

غرب إفريقيا والساحل

كشفت جماعة نصرة الإسلام و المسلمين في مالي مقتل 70 مسلحا ممن وصفتهم بالخوارح، في إشارة إلى ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وذلك...

غرب إفريقيا والساحل

عثمان اغ محمد عثمان أدى هجوم شنته ميليشيات فاغنر الروسية برفقة عناصر من الجيش المالي، اليوم الثلاثاء، على السوق الأسبوعي لقرية “كيتا”، شمالي مالي،...

شمال إفريقيا

قاد العميد اغلس محمد أحمد، قائد الكتيبة 173 المشاة في أوباري، يوم الثلاثاء، مناورات عسكرية استباقية قوية، تهدف إلى تصدّي أي تهديدات محتملة من...