طارق عبد القادر
لا شك ان المتابع للشأن الليبي قد يجد صعوبة في فهم وتصنيف التحالفات في ليبيا بعد مرور 11 عاما على الإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي.
ولتوضيح الصورة يمكننا القول بأن
التوجهات السياسية الرئيسية الآن في ليبيا محصورة في ثلاثة تيارات: تيار فبراير ، تيار الكرامة ، تيار الخضر.
● أولا : تيار فبراير وهو يضم أغلب أنصار ثورة 17 فبراير التي أطاحت بحكم القذافي 2011. وأبرز الدول الداعمة لهذا التيار قطر وتركيا ويرى أنصار هذا التيار أنهم هم من يدافع عن مدنية الدولة وينادون بدولة القانون والمؤسسات والتداول السلمي على السلطة ويعتبرون خصومهم السياسيين انقلابيين ويريدون إجهاض الثورة الليبية لحساب مصالح دول إقليمية.
ويمثل هذا التيار سياسيا رئيس الحكومة و المجلس الاعلى للدولة، وتنضوي تحت هذا التيار الكثير من التشكيلات العسكرية وميليشيات شبه عسكرية ذات خبرة قتالية لكنها غير موحدة بل كثيرا ما تنشب بينها معارك بسبب الصراع على النفوذ .
ويبسط هذا التيار سيطرته على الغرب الليبي بالكامل الممتد من مدينة مصراتة الساحلية شرقا إلى الحدود مع تونس غربا وإلى مدينة غدامس جنوبا أو الذي يقطنه اكثر من نصف عدد سكان ليبيا.
ويشمل هذا التيار :
- المعارضين السابقين لنظام القذافي من الذين لا يتبنون أيديولوجيا سياسية محددة ، والإسلاميين المعتدلين، والعلمانيين الذين يقبلون بالتعددية ولا يؤمنون بالإقصاء.
- المثقفين خصوصا ممن اطلعوا على تجارب دول أخرى وأدركوا ما معنى ان تعيش في دولة قانون ومؤسسات ويرون ان من واجبهم الارتقاء ببلدهم ليحذو حذو تلك الدول.
- جزء ممن كانوا محسوبين على نظام العقيد القذافي ثم تكونت لديهم قناعة بالدولة المدنية أو أدركوا أنه لا يمكنهم إرجاع عجلة التاريخ إلى الوراء.
- بعض المكونات الثقافية والعرقية التي تؤمن بأنها لن تنال حقوقها كاملة إلا في ظل الدولة المدنية.
● ثانيا : تيار الكرامة وعلى رأسهم اللواء خليفة حفتر( 80 عاما ) وأبناؤه ورئيس البرلمان عقيلة صالح المدعومون من مصر والإمارات والسعودية وفرنسا ويرى هذا التيار بضرورة سيطرة خليفة حفتر وأبنائه وضباط الجيش والأمن على الحكم لانهم الاقدر على محاربة ( الإرهاب ) ويقصدون بذلك خصومهم السياسيين من الإسلاميين وغيرهم. وهذا التيار لديه قوة عسكرية كبيرة موحدة تحت قيادة واحدة لكنها تعتمد في أغلبها على قيادات وعناصر غير مؤهلة للحسم العسكري.
ومناطق سيطرتهم في الشرق والجنوب الليبي أو ما يعرف تاريخيا بإقليمي برقة وفزان بما في ذلك أغلب حقول النفط التي يعتمد عليها الاقتصاد الليبي .
ويشمل هذا التيار:
- ضباط أمنيين وعسكريين يرون في سيطرة شخصية عسكرية على الحكم سيعيد لهم كرامتهم وهيبتهم التي فقدوها بعد ثورة فبراير2011.
- العلمانيين الإقصائيين الذين لا يقبلون بتعددية فيها سياسيون مرجعيتهم إسلامية ويعتبرون ذلك نوعاًً من التخلف وخطرا على حقوق الإنسان ويجب محاربتهم بكل الوسائل.
- الإسلاميين الإقصائيين من التيار ( السلفي) الذين لا يقبلون بفكر سياسي مرجعيته إسلامية ويعتبرونه نوع من الخروج عن الدين الصحيح وإفساد للدين ويجب محاربته بكل الوسائل.
- قبائل من أصول ليبية منقسمة بين ليبيا ومصر ترى أن سيطرة حفتر على الحكم تتيح لهم فرصة ذهبية لبسط نفوذهم والتوسع داخل ليبيا واستعادة ما يرونه حقا تاريخيا لهم.
- مجموعات أخرى قبلية وعرقية وبعض سكان المدن ممن يرون أن وجود حاكم عسكري قوي كفيل بأن يعيد ليبيا لحالة الاستقرار التي كانت عليها قبل 2011 ويعتبرون الرجوع إلى تلك الحالة من الاستقرار الأمني والمعيشي هو أول خطوة لحل باقي المشاكل التي تعاني منها ليبيا.
● ثالثا تيار الخضر وعلى رأسهم سيف ابن معمر القذافي ( 51 عاما ) وبعض رموز نظام القذافي ويرون ضرورة إعادة نظام القذافي بتنصيب ابنه سيف الإسلام حاكما على ليبيا أو الجماهيرية كما يسمونها. وهم لا يملكون قوة قتالية مستقلة قادرة على المجابهة وتحاول روسيا أن ترعاهم دون أن تنزع يدها من اتفاقاتها مع حفتر.
ومناطق سيطرة الخضر في الجنوب الليبي في إقليم فزان متداخلة مع مناطق سيطرة قوات حفتر
ويشمل هذا التيار:
- الشرائح القريبة من نظام القذافي سابقا والمستفيدة منه ومن يعرفون باللجان الثورية التي لم تجد لها مكانا في السلطة الجديدة أو أنها رفضت الانضمام لخصومها وفضلت أن ترفع نفس الشعارات التي عرفت بها.
- قبائل ومناطق من أهل القرى والأرياف أو البدو الذين اتخذوا موقفا ضد تدخل الناتو سنة 2011 واعتبروا موقفهم هذا موقفا وطنيا مشرفا حينها وقدموا في سبيل ذلك الأبناء والأرواح وتحملوا التشرد لعدة سنوات ويرون التخلي عن موقفهم السابق خيانة لدماء أبنائهم وتضحيات أهاليهم.
- بعض الفئات التي لم تكن منحازة في البداية لأي طرف لكنها تضررت بعد ذلك بسبب الفوضى التي عمت البلاد بعد سقوط نظام القذافي، وتعرض أبناؤها للإهانة والإذلال من الميليشيات التي تشكلت باسم ثورة فبراير مما كون عندهم أيديولوجيا متوافقة مع الخضر تقوم على رفض ما حصل في 2011 واعتبارها مؤامرة دولية واعتبار معمر القذافي شخصية مقدسة ورمزا للنضال وضحية للغدر العالمي.
كما توجد عدة تقسيمات أيديولوجية وجهوية وقبلية تدور أغلبها في فلك هذه التيارات الثلاثة وتتشابك وتتداخل مصالحها حتى يستحيل الفصل بينها بل بعضها ينتقل في ولائه وتحالفاته من طرف إلى طرف بحسب مصالحه.
والمشترك في أغلب الأطراف والقوى الفاعلة هو ارتباطاتها الإقليمية التي هي سبب وجودها وبقائها في المشهد وبما أن التحالفات والتخالفات الإقليمية متغيرة وخاضعة للغة المصالح والمكاسب فان الأطراف الداخلية المرتبطة بدعم إقليمي تجد نفسها مضطرة لمجاراة الداعمين الدوليين.
فعندما يحصل تقارب مصري قطري سيحصل تبعا له تقارب بين الطرفين المدعومين من كليهما لهذا نجد مفاوضات مباشرة تحت الطاولة بين ممثلين عن حفتر وعقيلة صالح المدعومين من مصر وممثلين عن صوان المدعوم من قطر وينتج عن ذلك حكومة مشكلة من توافقات الطرفين.
وعندما تحصل النفرة بين تركيا ومصر يحصل التباعد بين حفتر المدعوم من مصر والدبيبة المدعوم من تركيا ويعلو صوت التهديد باستخدام القوة للدخول لطرابلس.
وعندما تحدث المناكفات بين روسيا والغرب نجد ليبيا على طاولة التفاوض فالطرف الذي تدعمه روسيا موزع بين معسكري الكرامة والخضر والتواجد الروسي عبر فاغنر قريب من الحقول النفطية ويمكنها المساومة به متى شاءت.
وعندما تتعنت تركيا وتصر على تحقيق مصالحها عن طريق حكومة الدبيبة التي لا ترضى عنها مصر يبدأ رئيس البرلمان المدعوم من مصر بوضع العصا في دواليب الحكومة.
وبين هذا وذاك توجد في الساحة السياسية الليبية تكتلات وأجسام سياسية ذات انتشار واسع ولا تدعمها أي دولة لأنها لا تتعهد بتحقيق مصالح أي دولة إما لعجزها عن ذلك أو لرغبتها في الحفاظ على استقلالية قرارها.
وعلى أي حال مازال المشهد السياسي الليبي غير مستقر ومفتوح على كل الاحتمالات ومرتهن في معظمه بقرارات دولية وإقليمية ويتأثر بأحداث المنطقة تأثرا مباشرا .