جماعة الأحباش قصة الإنتشار والتمدد والتسلل إلى الأردن

لا يزال الحديث عن جماعة “الأحباش” الدينية في الأردن وتمددها وصعودها يثير العديد من التساؤلات عن حقيقة تلك الجماعة بين الفينة والأخرى، فمن هي جماعة الأحباش، وما حقيقة نفوذهم في الأردن؟ وهل تعدّ بمثابة المدخل لنشر “التشيع” في الأردن كما يرى البعض؟

تعرف الجماعة نفسها على أنها وسطية، أشعرية المعتقد، صوفية الميول، لكنّها وفي الدروس الخاصة التي تقدمها الجماعة لأعضائها تستحضر كثيراً من الخلافات السياسية بين الصحابة، مثل الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، مما جعل بعضاً من أعضائها يرتابون من مثل هذا الخطاب واضطروا لمغادرة الجماعة.

للجماعة واجهات عديدة في الاردن على رأسها جمعية الثقافة العربية الإسلامية المنتشرة في عمان وإربد والسلط ومدن أخرى وتصل لخمسة فروع، بالإضافة إلى ثلاث مدارس تحت مسمى مدارس الثقافة العربية الإسلامية.

وبحسب الصالونات والأروقة المغلقة، فإنّ الجماعة تسعى لنشر الفكر “الشيعي” بطريقة “ناعمة” في الأردن، ويخشى من أن تكون البوابة التي يمكن لإيران الدخول منها لنشر “التشيع السياسي”.

التطور التاريخي للجماعة

النشأة التاريخية لجماعة الأحباش تعود نسبة للشيخ عبدالله الهرري الحبشي وهو في الأصل من منطقة شمال الصومال التي كانت تتبع للإحتلال الأثيوبي، حيث كان له إهتمام بالعلم الشرعي على عادة المحاضن التقليدية في المناطق الإسلامية التي يقل فيها التعليم المدني، فكان الحبشي أحد المهتمين بهذه العلوم لكن لم يكن هو الأميز والأفضل بين أقرانه، بل على العكس عرف بمخالفته للحاضنة التي نشأ فيها وقد عرف عنه تعاونه مع المحتل الأثيوبي ضد أبناء وطنه من للحصول على المكانة والمكاسب الدنيوية.

وبهذا الخصوص يؤكدّ الداعية والباحث الشرعي د.عصر محمد النصر في حديث خاص لـ”africanperceptions”، بأنّ الشيخ الحبشي إضطر للخروج من الصومال وتوجه إبتداء لدول الخليج وتحديداً السعودية ثمّ بعد ذلك إلى سوريا وأقام بها مدة والتقى ببعض العلماء منهم الشيخ ناصر الدين الألباني والذي تعرف عليه عن قرب وكان يظهر تعظيمه للسنة وعنايته بالسنة النبوية فأثنى عليه الألباني ولم يكن قد اطلع على ما أخفاه وماكان له في الصومال قبل أن يكون في سوريا، منوهاً إًلى أنّه كان يسعى لإيجاد حاضنة له حتى أنّها استطاع الوصول لبعض الشباب اللبنانين فأقام عندهم في لبنان في منطقة تعرف بـ”برج أبو حيدر” وهو أحد أحياء مدينة بيروت، وأنشأ له هناك نفوذ وجماعة واستطاع من خلالهم نشر أفكاره ومعتقداته التي عرف بها فيما بعد.

ويرى النصر أنّ هذا السياق التاريخي لظهور الحبشي والعلامات الإجتماعية والنفسية كان لها أثر كبير في فكره، لأنّه هذه الأزمات النفسية التي وجدت عند الحبشي كانت توجد عند غيره من أصحاب المقالات والفرق فكان لها أثر كبير في مسيرته وعلى معتقداته.

ومن هنا يؤكدّ النصر، قائلاً: “الأحباش من حيث الإنتماء الفكري والجذور الأصلية هم أشاعرة-شافعية-صوفية، فهذه الثلاثية هي المكون الرئيسي بالنسبة لهم، ومع ذلك قد تميزوا بمزايا الجماعات وأخذوا مسلك شيخهم فظهر عليهم الغلو فيما يعتقدونه من معتقدات، فكانوا يخالفون الشافعية في كثير من الأحكام ويخالفون الأشاعرة في كثير من المسائل، ويخالفون الصوفية في كثير من مسالكهم، وهذا كله ناشيء عما حاولوا أن يتميزوا به تبعاً لشيخهم الذي كان أصلا متفرداً نتيجة لما يعانيه من أزمة نفسية وإجتماعية أثرت في سلوكه فظهر كل ذلك فيما يعتقد لذلك كانت له آراء مخالفة لما عليه الأشاعرة  والشافعية، ومن تتبع أشرطته وتسجيلاته وكتبه التي طبعت في مكتبة المشاريع في لبنان وهي كلها متوفرة حالياً وجد فيها غلظة وشدة حتى على علماء الشافعية والأشعرية والصوفية وسبّ لهم وتحقيق لتحقيقاتهم وتحريراتهم في مذهبهم فكان له طريقة خاصة في التعامل مع هذه الأدبيات والمذاهب”.

كما ويشير النصر إلى أنّ لدى جماعة الأحباش إضافات منها التي أضافها الحبشي فمايتعلق بمسألة الصحابة والتي فيها نوع من الإنحراف فهم لديهم تفضيل موجود عند بعض طوائف الشيعة ويفضلون آل البيت وعلي بن أبي طالب على بعض الصحابة  كمعاوية، ولديهم نقد لبعض الصحابة، وهذا النمط من التشيع معروف وقديم وهم أحيوه في المنطقة، مشيراً إلى أنّ برج أبو حيدر من المناطق الوحيدة التي لم تقصف في العدوان الإسرائيلي في عام 1982 على بيروت.

ومن هنا يؤكدّ الداعية والباحث الشرعي، أنّ الأحباش كانوا دائماً مناوئين لأهل السنة في لبنان إلى الوقت الحالي وحتى في الإنتخابات الأخيرة التي حصلت في لبنان الشهر الماضي، فإنّه يقفون في صف محور “حزب الله” ومقاعدهم محسوبة على الحزب والشيعة في لبنان ضد الطائفة السنية في لبنان، مشدداً على أنّ من المعروف أنّ لبنان تقسيمها طائفي.

ويعتبر النصر أنّ الأحباش جماعة ذات نزعة سياسية تأثروا بالإسلام الشيعي، واستطاعوا التمدد خارج لبنان بطرق متعددة، خصوصاً وأنّ مصادر التمويل للجماعة لايعرف مصادرها وانتشروا بين أوساط الجالية اللبنانية، خصوصاً المناطق ذات الثقل للجاليات كأستراليا وألمانيا ولهم انتشار كبير في هذين البلدين ولهم تأثير على المجتمع الإسلامي وهم مناوئين للفكر السني في أي مكان يتواجدون فيه.

أما فيما يتعلق بالأردن على وجه الخصوص فإنّ الأحباش استطاعوا الدخول إليها، وكان لهم أول ظهور في بعض قرى إربد شمال الأردن، وتحديداً في قرية ملكا ومنطقة لواء بني كنانة، ثمّ بعد ذلك استطاعوا عبر بعض الطلاب الإنتشار والتمدد في بعض الجامعات، خصوصاً جامعة العلوم والتكنولوجيا، ثمّ بعد ذلك انتقلوا إلى جامعة اليرموك والجامعة الأردنية.

ويرى د.النصر، أنّ مصادر التمويل لدى الأحباش لم تكن معروفة لدى المجتمع الأردني، واستطاعوا إنشاء جمعية الثقافة العربية الإسلامية، وأنشئوا تحت ذلك المسمى مدارس لهم في محافظة عمان وإربد، كما وأنشئوا لهم فرقة أناشيد تمكنوا عبرها من الوصول للكثير من المحافل الرسمية المهمة، واستغلوا حالة التعددية السياسية والدينية الموجودة في الأردن، وذلك من خلال بعض المتنفذين الرسميين في الأردن.

لكنّ السلطات السياسية في الأردن متنبهة للنزعة السياسية عند الأحباش وتراعي بحسب د. النصر، التوازنات السياسية والدينية، الأمر الذي يعطي لهم مساحة من النفوذ للبقاء فقط للوجود مع مناكفة الإسلام السياسي والسلفية وهذه أحد المهمات التي تدخرها لهم الجهات الأمنية والدولة في الأردن التي لاترغب في نفس الوقت للأحباش التمدد والإنتشار.

وفي ظل التحولات الدينية التي يشهدها الداخل الأردني فإنّه يخشى أن يفسح المجال للأحباش عبر المساحات التي أعطيت لهم في مقارعة السلفية والإخوان، وفي ظل التحوّل والتغير التي تشهدها الدولة الأردنية ضد السلفيين مؤخراً، أن يكون ذلك سبباً لإنتشار فكر الأحباش التي تخالف في الأساس الأشاعرة والشافعية في نفس الوقت، لأنّ لديهم توجهات ورؤية خاصة، خصوصاً في مسائل الحلال والحرام وببعض المسائل المحرمة التي لهم فيها إجتهادات لايوافق عليها العديد من علما الشريعة المعاصرين وبدؤوا مؤخراً يخفونها ويظهرون “التقية” فيها ولا يظهرونها للعلن، بإعتبار أنّ المجتمع الأردني يعدّ محافظاً.         

بدايات الأحباش ووصولهم للأردن      

وصول الأحباش ونفوذهم الأحباش في الأردن وانتشار معتقداتهم وأفكارهم، جاء عبر مجموعة من الطلبة الأردنيين الذين كانوا يدرسوا في لبنان والتي تنشط فيها الجماعة بشكل كبير، لأنّهم منحوا المرأة حرية كبيرة جداً لأجل كسبها لصفهم، فأصبحت المرأة في لبنان ترى أنّ هذا هو الدين الصحيح البعيد عن التشدد، فلذلك كانت أغلبية أتباعهم من النساء في بيروت سواء على مستوى الجامعات والشوارع والمقاهي.

وهذا مايؤكده الناطق الرسمي باسم الحركة الفكرية عمر النظامي، الذي يشير إلى لقاء كان قد جمعه بإمراة لبنانية عام 1992، التي كانت ترتدي ملابس مثيرة للغابة على حد وصفه وهي لاتعدّ أمراً محرماً عند الأحباش، حيث أنّ الحرام أن تظهر المرأة جسمها.

ويروي النظامي في تصريحات خاصة لـ” africanperceptions” أنّ تلك المرأة عندما علمت أنّه أردني الجنسية دعته لزيارة جمعية المشاريع الإسلامية  في بيروت للتعارف أكثر، الذي لبى بدوره الدعوة لكنّه أخذ انطباعاً سلبياً عن تلك الجمعية، مشدداً على أنّهم يستعملون المرأة لأجل إصطياد أتباعهم.

لدى عودة الطلاب الأردنيين من لبنان الذين كان لهم الفضل في إنتشار فكر “الأحباش” مؤخراً بالأردن، واستطاع الأحباش اصطياد بعض الشباب الأردنيين وتوفير السكن والمنح التعليمية ومساعدتهم بالدراسة في الجامعات أثناء دراستهم في لبنان، حيث يشير النظام إلى أنّ هؤلاء الطلبة العائدين للأردن لدعى عودتهم عمدوا على نشر معتقدات الأحباش وسعوا لجمع أتباع لهم حتى يستطيعوا تأسيس حاضنة لهم بالأردن ومن ضمنهم الدكتور مهند الحمود العربيات الذي يعد من مؤسسي الأحباش في الأردن والشيخ طلال الحمصي وغسان الطرزي، حيث يؤكدّ النظامي أنّ أول إجتماع لهم كان في وادي السير إحدى مناطق مدينة عمان واجتمعوا بعدة أشخاص من الذكور والإناث  وبدؤوا من هذا المنطلق.

حينها لم يكن أحد من الأردنيين يسمع عن الجماعة لغاية عام 2005، هنا يستمر النظامي في سرد رؤيته حول انتشار الأحباش في الأردن، مشدداً على أنّ من طرقهم اللجوء إلى الشحن المذهبي عبر تكفير شخصيات سنية مهمة كإبن تيمية ومحمد ابن عبدالوهاب، وهذا الأسلوب يهدف لشحن وتأجيج أتباعهم التي تعدّ الأساس في طريقة تفكيرهم عبر محاضراتهم ودروسهم التي يلقونها لهم.

ويؤكدّ النظامي أنّ الأحباش عبر جمعياتهم ومؤسساتهم يقوموا كل سبعة سنوات بتغيير وسحب الطبعات القديمة للكتب التي يطبعونها ويحذوفنها ويقوموا بعمل طبعات أخرى جديدة، خصوصاً بعد إنتشار مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي، منوهاً إلى أنّهم انتشروا وتوغلوا بالأردن ببطء ولم يكونوا معروفين.

وقد شكلت رسالة عمان التي صدرت في نوفمبر 2004 بدعم من الملك عبد الله الثاني، التي دعت إلى التسامح والوحدة في العالم الإسلامي  وحرية الدين الداعم الأساسي والقوي لجماعة الأحباش، فبناء على هذه الرسالة ومنطلقاتها، أصدرت واشنطن فيما بعد قراراً بمحاربة التيارات السلفية والجهادية على خلفية هجمات 11 من سبتمبر، حيث تمّ الإتفاق بين الحكومة الأمريكية والأردنية على إيجاد وسيلة لإستبدال هذه التيارات ومحاربتها وعندها لم يكن أمام المجتمع الأردني إما اللجوء نحو إلى العلمانية أو الإتجاه نحو الجماعات الصوفية التي لها طقوسها الخاصة.

هنا يؤكدّ الناطق الرسمي باسم الحركة الفكرية، أنّ الأحباش في الأردن بعد إطلاق جمعيتهم (الثقافة العربية الإسلامية) بصورة رسمية أصبحت مصدر قوة لهم، وكان ذلك بدعم من النظام السياسي والأمني وعلى أثر ذلك انتشروا في الأردن وأصبح انتشارهم واسعاً بعد الصلاحيات التي منحت لهم فكان لهم الدور الكبير في تفكيك جماعة “الإخوان المسلمين” وتقويض التيار السلفي بالأردن بل وحتى التجسس عليهم، وذلك بإعتبار نفوذهم في الأجهزة الأمنية وأنّ لهم تمثيل مجلس النواب ووزراء محسوبين عليهم في الدولة الأردنية.

وعلى أثر ذلك حلت جماعة الأحباش مكان الإخوان بالأردن بل وتسللت لوزارة الأوقاف، وأصبح مفتي الأردن وقاضي القضاة من الداعمين لهم والمقربين من الأحباش، كما قاموا بتأسيس الفرقة الهاشمية للإنشاد التي تعني بالمديح النبويّ والإنشاد الديني فكانت سبب مهماً في انتشار واقبال الناس عليهم وأحيوا العديد من الإحتفالات التي يتغنوا فيها بحب الرسول صلى الله عليه ووسلم وآل بيته.

كما لجأ الأحباش لإستقطاب مزيداً من الأتباع إلى استقطاب العديد من الموظفين في مؤسساتهم ومدارسهم وجمعياتهم حيث يتاقضون رواتب كبيرة، ومن أشهر رموزهم وشخصياتهم بالأردن المهندس عدي المجالي، د.فراس المجالي، عبد الله المشاقبه، د.زيد المصري، د.خالد ملكاوي د.وليد سمامعه.

ومع أنّ الأحباش لايعدّ عددهم كبيراً إلا أنّ أصبحوا قوة دينية لا يستهان بها، وهذا يعود بحسب النظامي إلى الدعم الذي تلقوه من المخابرات الأردنية و القصر والديوان الملكي وجهات رسمية أخرى، كما أنّ الإعلام الأردني بات يروج لهم، ومن ضمن الشخصيات الرسمية الدعامة للأحباش في الأردن الأمير غازي بن محمد  الذي يعدّ مستشار العاهل الأردني  للشؤون الدينية والثقافية، مشدداً على أنّ المدخل الأساسي الذي يدخلون من خلاله للمنتسب الجديد والطلاب المبتدئين، هو ترويجهم بأنّهم إمتداد لمدرسة الأشاعرة وأهل السنة والجماعة، حيث يبدؤوا في عملية غسل الدماغ لأتباعهم الجدد، ولا يخوضوا في قضايا النقد للصحابة كمعاوية بن أبي سفيان وخالد بن الوليد، إلا بعد مرحلة متأخرة من التعمق في فكرهم.

ومن هنا يؤكدّ النظامي أنّ الأحباش في الأردون يسعون لإتخاذ الأشاعرة وفكر أهل السنة والجماعة واجهة يهدفون عبرها لتصفية فكر السلفية “الوهابية”، والتقارب مع الشيعة، وتحويل الدين إلى طقوس وعبادات وطرق تحت عنوان :”الإسلام الجديد”، منوهاً إلى أنّ الجماعة تربطها علاقات مع المخابرات السورية وتتقاطع مع المحور الإيراني  فهم يسعون توفير الأرضية المناسبة للتقارب مع المحور الإيراني ولأن تكون حليف له بالأردن، مؤكداً بأنّ الجماعة في الأردن تنتقي أتباعها من أبناء الطبقة المثقفة المتنفذة وممن لديهم سلطة من أبناء العشائر الكبيرة ولهم وزن بالبلاد كعائلة المجالي والملكاوي والمصري.