تشهد العلاقة بين باريس وباماكو في الآونة الأخيرة توترا ملحوظ، وبدأت إنتكاسة العلاقة بين البلدين منذ الإنقلاب العسكري الذي أطاح برئيس الجمهورية السابق إبراهيم بوبكر كيتافي 18 أوت 2020، ثم الانقلاب الثاني على رئيس المرحلة الانتقالية باه أنداو في 24 مايو أيار 2021، وتولي قائد الانقلابين الكولونيل آسيمي غويتارئاسة البلاد، لتتوالى بعد ذلك مجموعة من العوامل والمستجدات التي أدت إلى هذا التوتر الغير مسبوق في تاريخ العلاقة بين البلدين:
إعلان باريس نيتها خفض تعداد قواتها في الساحل إلى النصف، والإنسحاب من مناطق شاسعة في شمال مالي، وتلويح باماكو بجلب قوات فاغنير الروسية.
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شهر يونيو الماضي أن بلاده تنوي خفض تعداد قواتها في منطقة الساحل من حوالي 5100 جندي حاليا، إلى حوالي 2500 خلال العام القادم،والإنسحاب مع نهاية هذا العام من قواعدها العسكرية في مناطق تساليت و كيدال و تمبوكتو(شمال البلاد)، دفع ذلك الحكومة المالية إلى البحث عن شريك آخر يحل محل تلك القواتالفرنسية، وسعت إلى عقد شراكة عسكرية مع الروس، وتحديدا شركة فاغنير العسكرية الخاصة، وهو الأمر الذي رأت فيه باريس تجاوزا لكل خطوطها الحمراء، وصرح ماكرون أن حكومة باماكو الحالية هي مجرد نتاج غير شرعي تمخض عن إنقلابينعسكريين، ليأتي الرد عليه سريعا من رئيس الوزراء المالي شوكيلكوكالا ميغا الذي اتهم فرنسا بتمويل وتدريب جماعات وصفها بالإرهابية في شمال مالي.
سعي باماكو إلى الحوار مع الجماعات الجهادية يؤرق مضجع الفرنسيين.
منذ وصوله إلى مقاليد السلطة لم يخفي النظام العسكري الحاكم في مالي سعيه إلى إيجاد قنوات للحوار المباشر مع قادة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وهي حركة جهادية تنشط بشكل كبير في شمال ووسط مالي، وتسيطر على مناطق شاسعة هناك، وأعلنت حكومة باماكو اليوم الثلاثاء 19 أكتوبر أنها كلفت بشكل رسمي المجلس الإسلامي الأعلى في مالي بإجراء الترتيبات اللازمة لإطلاق تلك المحادثات المباشرة مع إياد أغ أغالي، و أحمدو كوفا، وهما من جنسية مالية ويعتبران أبرز قادة الجماعة الجهادية، وكانت باريس قد أعلنت مرارا إنها لا تحبذ أي تواصل أو تفاوض بين باماكو وتلك الجماعة التي تعتبرها إرهابية.
تعامل باريس بشكل مختلف مع الإنقلابات العسكرية في أنجامينا، و بامكو، و كوناكري، يكرس مبدأ الكيل بمكيالين.
يرى الماليون أن تشدد حكومة باريس في التعامل مع الإنقلاب العسكري في باماكو، وممارسة فرنسا ضغوطات سياسية وإقتصادية على مالي، مقابل تعاملها بشكل متراخ إن لم يكن بترحيب مع إنقلابات عسكرية مماثلة في تشاد وغينيا كوناكري، هو بمثابة عداوة تكنها حكومة باريس للشعب المالي، مما جعل الكثير من العامة هنا لايتردد في وصف فرنسا بالعدو الذي يظهر بمظهر الحليف.
عندما تتوتر العلاقة بين الجزائر وباريس، يتردد صدى ذلك في بامكو.
(الجزائر ومالي هما اليوم في جبهة موحدة ضد الحملة الفرنسية التي تستهدفهما) هذه العبارة صرح بها وزير الخارجية الجزائري رمطانلعمامرةخلال زيارة له الأسبوع الماضي إلى باماكو، في مؤشر على أن الجزائر لن تتردد في تصفية حسابات أزمتها الراهنة مع فرنسا، من خلال استخدامها للملف المالي، بل قد تذهب الجزائر إلى أبعد من ذلك، حيث أفادت تقارير إعلامية أنها مستعدة لدفع جزء كبير من الأموال التي سيكلفها التعاقد بين باماكو وشركة فاغنير الروسية.
كل هذه العوامل والأسباب مجتمعة وغيرها مما لايسع المقام لذكره أدت إلى هذا التوتر الشديد للعلاقة بين فرنسا ومالي، مما قد يفتح الباب لسيناريوهات قد يكون أسوئها بالنسبة لمالي هو أن تقوم باريس في المستقبل القريب بدعم الحركات المسلحة الإنفصالية، التي كانت تطالب بإنفصال منطقة الشمال (أزواد) قبل أن توقع عام 2015 إتفاقا للسلم و المصالحة برعاية من الجزائر، وتقول تلك الحركات أن مسار تطبيق ذلك الإتفاقلايزال يراوح مكانه، ولم يطبق منه إلا الشيئ القليل، وقد ينفخ أي دعم خارجي الروح من جديد في تلك النزعة الإنفصالية لتلك الحركات المسلح.
You May Also Like
الشرق الأوسط
لا يزال الحديث عن جماعة “الأحباش” الدينية في الأردن وتمددها وصعودها يثير العديد من التساؤلات عن حقيقة تلك الجماعة بين الفينة والأخرى، فمن هي...
غرب إفريقيا والساحل
كشفت جماعة نصرة الإسلام و المسلمين في مالي مقتل 70 مسلحا ممن وصفتهم بالخوارح، في إشارة إلى ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وذلك...
غرب إفريقيا والساحل
مالي/ مقتل وجرح مدنيين واعتقال آخرين في قرية “كيتا” على يد ميليشيات فاغنر الروسية برفقة الجيش المالي
عثمان اغ محمد عثمان أدى هجوم شنته ميليشيات فاغنر الروسية برفقة عناصر من الجيش المالي، اليوم الثلاثاء، على السوق الأسبوعي لقرية “كيتا”، شمالي مالي،...
شمال إفريقيا
قاد العميد اغلس محمد أحمد، قائد الكتيبة 173 المشاة في أوباري، يوم الثلاثاء، مناورات عسكرية استباقية قوية، تهدف إلى تصدّي أي تهديدات محتملة من...