منذ الساعات الأولى لانتشار خبر سعي السلطات الانتقالية في مالي إلى التعاقد مع شركة فاغنير العسكرية الروسية الخاصة، كانت منسقية الحركات الأزواديةمن أوائل المبادرين إلى إدانة هذه الخطوة وحذرت من مغبتها، وذكَّرت في بيان لها بما وصفته بالإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي إرتكبها الروس في دول مثل سوريا، وليبيا، وإفريقيا الوسطى.
هذا الموقف من المنسقيةالأزواديةالتي تضم مجموعة من الحركات المسلحة ذات النزعة الإنفصاليةلشمال مالي، يتوافق تماما مع الموقف الفرنسي الرافض جملة وتفصيلا لمبادرة جلب من يصفهم بالمرتزقة الروس إلى مالي، وليست هذه المرة الأولى التي ينسجم فيها بشكل كامل توجه المنسقيةالأزوادية مع توجه باريس، بل أن غالبية الشعب المالي يعتقدون جازمين أن الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي هي نواة المنسقية إنما هي صنيعة فرنسية، إستخدمتها باريس للمساعدة في الإطاحة بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي، ثم فتحت لها الباب على مصراعيه للسيطرة على شمال مالي عام 2012، ثم منحتها الضوء الأخضر لإعلان قيام دولة أزواد في السادس من أبريل من نفس العام؛ لكن مساع قيام تلك الدولة تم إجهاضها من قبل الحركات الجهادية التي كانت لها أجندة ضد إنفصال شمال مالي، ووقفت آنذاك تلك الحركات الجهادية بالمرصاد لحكومة الدولة الوليدة إلى أن طردتها من مدينة غاو عاصمتها المزعومة.
هذا التناقم في المواقف (الجديد،القديم) بين فرنسا والحركات الإنفصالية في مالي هو ما تحدث عنه رئيس الحكومة المالية الحالية شوكيلكوكالاميغا في مقابلة له مع وكالة سبوتنيك الروسية في الثامن من هذا الشهر، إذ قال أن باريس قامت بتمويل وتدريب حركات مسلحة مُنَاوِئَةٍ لدولة مالي ومرتبطة بتنظيم القاعدة، ثم سلمتها إقليم كيدال(شمال البلاد).
تصريحات مَيْغا هذه تزامنت مع إعلان الحركات الأزواديةقطع جميع قنوات التواصل والحوار مع حكومة باماكو، في خطوة يرى مراقبون أنها جاءت بِإِمْلاءٍ من حكومة باريس، سيما أنها تمت غداة إجتماع في نيامي بين مسؤولي المنسقيةالأزواديةورئيس دولة النيجر بازوم محمد الذي يعتبره الكثيرون وارث لقب “رجل فرنسا الأول في الساحل” منذ مقتل الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي.
كما يلاحظ أنه ومنذ إندلاع الأزمة الراهنة بين باريس وباماكو تصاعدت حدة المظاهرات التي ينظمها أنصار المنسقيةالأزوادية في مدينة كيدال، للمطالبة برحيل ممثل السلطات المالية في المدينة الخاضعة لسيطرة المنسقية.
كل هذه المعطيات وغيرها من المؤشرات الكثيرة تدل على أن باريس تُعَوِّلُ بشكل كبير على استخدام ورقة الحركات المسلحة ذات التوجه الانفصالي، للضغط على باماكو، فيمَسْعى أخير لثنيها عن قرار إستجلاب الروس إلى مالي، بل أنه ليس من المستبعد أن تذهب باريس إلى أبعد من ذلك، إذ يمكن أن تسعى إلى وضع تلكالحركات المسلحة في مواجهة مباشرة مع فاغنير، إذا ما إنتشر عناصر هذه الأخيرة في منطقة شمال البلاد وحاولواإعادة سيطرة الدولة المالية على إقليم كيدال، وحينها تكتمل أضلاعالصدام الغير مباشر والمتوقع نُشُوبَهُ بين باريس وموسكوفي معركة فرضالنفوذ والسيطرة على منطقة الساحل الإفريقي.