Connect with us

Hi, what are you looking for?

أوروبا

“روما التي لا تموت”… حين تصنع الإمبراطورية مجدا لا ينسى وتعيد إيطاليا اليوم كتابة التاريخ

في قلب القارة الأوروبية، على ضفاف نهر التيبر، ووسط صخب الحاضر وروح العصر، لا تزال روما القديمة تهمس في آذان العالم، حجارة الكولوسيوم، وأعمدة المنتدى الروماني، وأقواس النصر المتناثرة بين أحياء العاصمة الإيطالية، ليست مجرد آثار جامدة؛ بل شواهد حية على حضارة شكلت وجدان البشرية ورسخت مفاهيم القوة والنظام، وخلدت اسم “روما” كأيقونة خالدة في الوعي الإنساني.

من أسطورة التأسيس إلى مركز العالم القديم

بدأت القصة بأسطورة رومولوس وريموس، التوأمين الذين رضعا من ذئبة في الكهف، ثم أسسا المدينة التي ستصبح لاحقا قلب الإمبراطورية. لكن ما هو أبعد من الأساطير، أن روما تحولت في أقل من خمسة قرون من مدينة صغيرة في شبه الجزيرة الإيطالية إلى قوة عظمى بسطت نفوذها من سواحل الأطلسي غربا إلى صحارى الشرق الأوسط، ومن حدود سكندنافيا شمالا حتى صحارى شمال إفريقيا جنوبا.

وكان سر هذه القوة في نظامها السياسي المرن، أولا كجمهورية ثم كإمبراطورية، وفي جيشها المنضبط، وشبكة طرقها المتقنة، وهيبة القانون الروماني الذي لا يزال حتى اليوم أساسا لكثير من الأنظمة القانونية الحديثة.

سقوط الإمبراطورية… وبقاء الإرث

مع بداية القرن الخامس الميلادي، بدأت الإمبراطورية الغربية تتفكك تحت ضغط الهجمات الجرمانية والأزمات الاقتصادية والسياسية الداخلية. وفي عام 476م، سقطت روما الغربية، بينما استمر شطرها الشرقي (البيزنطي) لقرون أخرى.

لكن، ورغم سقوط الكيان السياسي، فإن الحضارة الرومانية لم تسقط؛ بل تسربت إلى نسيج العالم الغربي، من اللغات إلى البنية الإدارية، ومن الفنون إلى الفلسفة.

فروما لم تدفن مع أباطرتها، بل عاشت في عمارة العصور الوسطى، ونهضة القرن السادس عشر، وولدت من جديد في الدولة الإيطالية الحديثة.

إيطاليا المعاصرة… بوصلة الحضارة من جديد

اليوم، لا تكتفي إيطاليا بالتذكير بماضيها المجيد، بل تسعى لتأكيد مكانتها كقوة ثقافية وإنسانية عالمية، فمن الفنون إلى الأزياء، ومن الذوق الرفيع في العمارة والطعام، إلى دورها في المؤسسات الدولية الكبرى، تستثمر إيطاليا إرثها لصناعة واقع حديث يجمع بين الأصالة والابتكار.

روما، التي كانت عاصمة الإمبراطورية، أصبحت الآن عاصمة دولة ديمقراطية تشارك في صياغة القرارات الدولية، عبر عضويتها في الاتحاد الأوروبي، ومجموعة السبع، ومنظمة الأمم المتحدة، وهي لا تقدم نفسها كقوة مهيمنة، بل كجسر حضاري بين الماضي والحاضر، بين الشمال والجنوب، بين أوروبا وحوض المتوسط.

رسالة روما في زمن العولمة

من يعيش اليوم في إيطاليا لا يرى فقط آثارا عظيمة، بل يلمس كيف تعيد الأمة الإيطالية تفسير تاريخها بأسلوب راقٍ وإنساني، فالمتاحف ليست فقط أماكن للعرض، بل فضاءات للحوار الثقافي، والجامعات لا تدرس فقط التاريخ، بل تشجع على نقده وفهمه من جديد، وحتى في السياسة الخارجية، تنتهج إيطاليا سياسة تقوم على بناء الجسور والانفتاح على الآخر.

وفي زمن السرعة والعولمة، تذكرنا إيطاليا بأن للثقافة دورا لا يقل عن الاقتصاد، وأن الحضارة لا تقاس فقط بما يُنتَج، بل بما يُحفظ ويُحتفى به.

روما الحية… حب لا ينطفئ

في كل ركن من أركان روما، وفي كل زاوية من المدن الإيطالية، ينبض التاريخ بالحياة، الجلوس في ساحة نافونا، أو السير تحت ظلال البانثيون، ليس مجرد نزهة سياحية، بل لحظة تواصل صامتة مع آلاف السنين من العظمة، هناك حيث لا تزال الشمس تغرب فوق القباب الذهبية، تهمس روما لكل من يزورها: “أنا لم أمت، أنا أعيش في كل من يؤمن بجمال الإنسان وقدرته على الخلود”.

بقلم: أليو دي ميديتيرّانو

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You May Also Like

الشرق الأوسط

لا يزال الحديث عن جماعة “الأحباش” الدينية في الأردن وتمددها وصعودها يثير العديد من التساؤلات عن حقيقة تلك الجماعة بين الفينة والأخرى، فمن هي...

غرب إفريقيا والساحل

كشفت جماعة نصرة الإسلام و المسلمين في مالي مقتل 70 مسلحا ممن وصفتهم بالخوارح، في إشارة إلى ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وذلك...

إفريقيا

أكد والي ولاية كيدال عن تنظيم جماعة نصرة الاسلام و المسلمين، سيدن أغ هيتا، المعروف حركيا باسم عثمان القيرواني، أن من أهم الأسباب التي...

Uncategorized

قاد العميد اغلس محمد أحمد، قائد الكتيبة 173 المشاة في أوباري، يوم الثلاثاء، مناورات عسكرية استباقية قوية، تهدف إلى تصدّي أي تهديدات محتملة من...