عمر مختار الأنصاري
عضو مؤسس لحزب التجديد الديموقراطي والجمهوري بالنيجر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مقدمة
عبر التاريخ، ظهر النواصب الذين بالغوا في العداء لأهل بيت النبي ﷺ، وجعلوا ذلك جزءًا من عقيدتهم. واليوم، نشهد ظاهرة مشابهة ولكن بوجه جديد، حيث برزت فئة يمكن تسميتها بـ “النواصب الجدد”، وهم مجموعة من الأشخاص الذين اتخذوا موقفًا متطرفًا في الدفاع عن الدولة الأموية ورموزها إلى درجة الطعن في الصحابة والتابعين، كردة فعل على المدّ الإيراني الصفوي الذي يستخدم التشيع كوسيلة لفرض النفوذ الفارسي.
الجذور السياسية والفكرية للنواصب الجدد
في العقود الأخيرة، صعدت إيران بمشروعها السياسي الذي يتخذ من التشيع غطاءً لنشر النفوذ الفارسي في العالم الإسلامي، مما أثار ردة فعل قوية لدى بعض الفئات السنية. وبدلاً من مواجهة هذا المدّ بأسلوب علمي وشرعي متزن، ظهرت فئة النواصب الجدد الذين اتخذوا موقفًا متطرفًا، فحاولوا إعادة إحياء الدولة الأموية بشكل أيديولوجي، وجعلوا من قادتها ورموزها معصومين من النقد، حتى لو أدى ذلك إلى الإساءة لبعض الصحابة أو التابعين.
سمات النواصب الجدد
- التعصب الأعمى للدولة الأموية
بدلاً من دراسة التاريخ الإسلامي بميزان العدل، تبنى النواصب الجدد خطابًا يقوم على تمجيد بني أمية دون تحفظ، واعتبار كل من ينتقدهم معاديًا للإسلام، حتى لو كان النقد موضوعيًا وعلميًا. - الطعن في الصحابة والتابعين الذين لم يكونوا على خط الدولة الأموية
يتورط النواصب الجدد في الطعن في بعض الصحابة والتابعين الذين لم يكونوا ضمن المشروع الأموي، مثل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وبنيه الحسن والحسين أسباط رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وعبدالله بن الزبير وغيرهم، مما يضعهم في نفس دائرة الطاعنين في الصحابة من الرافضة، ولكن من زاوية مختلفة. - خطابهم قائم على ردة الفعل
بدلًا من بناء فكر سني متماسك يواجه المشروع الإيراني الصفوي بعلم وحكمة، تبنى هؤلاء خطابًا قائمًا على رد الفعل العاطفي، مما يجعلهم في بعض الأحيان يخدمون أهداف خصومهم دون أن يشعروا. - توظيف الإعلام والمنصات الحديثة
مثلما استغلت إيران الإعلام لنشر فكرها، استغل النواصب الجدد وسائل الإعلام الحديثة لبث خطابهم، عبر فيديوهات ومنصات تروج لرؤية منحرفة للتاريخ الإسلامي.
النواصب الجدد في مقابل المشروع الإيراني
كما أن إيران تستخدم التشيع كأداة لنشر نفوذها، فإن النواصب الجدد يستخدمون الدفاع عن بني أمية كسلاح مضاد، ولكن بأسلوب يفتقر إلى الحكمة والميزان الشرعي.
كلا التيارين يشتركان في استخدام التاريخ كأداة سياسية، وليس كمصدر للعبرة والفهم الموضوعي.
في النهاية، يؤدي صراع “التشيع الفارسي” و “النواصب الجدد” إلى نتيجة واحدة: إضعاف الأمة الإسلامية وتمزيقها، بدلاً من التركيز على مواجهة المشاريع التي تهددها.
كيف نواجه هذه الظاهرة؟
- تعزيز الفهم الصحيح للتاريخ الإسلامي
لا بد من دراسة التاريخ الإسلامي بميزان العدل، لا بميزان التعصب لهذا الطرف أو ذاك. الصحابة والتابعون ليسوا طرفًا في الصراعات الحديثة، وعلينا أن ننظر إليهم بمنظور الإسلام، لا بمنظور السياسة المعاصرة. - عدم الانجرار خلف الخطاب العاطفي
يجب على المسلمين أن يكونوا على وعي بأن التطرف في أي اتجاه لا يخدم الإسلام، بل يخدم أعداء الأمة الذين يريدون تفريقها. - التركيز على مواجهة الخطر الحقيقي
بدلاً من إضاعة الجهود في الدفاع عن بني أمية أو الهجوم عليهم، علينا أن نركز على مواجهة المشاريع التي تهدف إلى تفكيك الأمة، سواء كانت من إيران أو غيرها.
خاتمة
إن “النواصب الجدد” ظاهرة تستغل الغضب السني تجاه التوسع الإيراني، لكنها لا تقدم حلًا حقيقيًا، بل تزيد الانقسام داخل الأمة. ولا بد أن ندرك أن الإسلام دين عدل وميزان، وليس دين ردود الفعل العاطفية. إن الدفاع عن الصحابة والتاريخ الإسلامي لا يكون بالتحزب لطرف ضد آخر، بل يكون بالعلم والوعي والإنصاف.
