د.أمينة العريمي
لا شك أن مقتل أحد أهم قادة مليشيا الدعم السريع “اللواء علي يعقوب” يعد نصراً أمنياً _ سياسياً_ إستخباراتياًيضاف لرصيد القوات المسلحة السودانية.
فمن الناحية الأمنية: أيقنت الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الساحة السودانية أن الجيش السوداني وإن لم يحقق نصراً كاملاً ولكنه أثبت على الأقل صموده وجدارته، فرغم الإستنزاف الكارثي التي يتعرض له منذ سنه ونيف إلا إنه ما زال يمتلك ما يُمّكنه من المواجهه والتدارك، قياساً بجيوش دول الجوار الإقليمي للسودان في حال تعرضهم لذات الكارثة، وهذا ما سيفرض على تلك الأطراف الإقليمية والدولية إعادة حساباتها الأمنية في السودان، فالجيش السوداني ورغم ما تعرض له من إخفاقات في بعض المحطات ولكن ثبت بأن إرادته أكبر من أن تسقط، سواء كان ذلك بتحالفات خارجية “ايران، روسيا”، أو نجاحه في خلق حالة الإستنفار الشعبي التي باتت اليوم هي الرديف المحوري لأشرس العمليات العسكرية بقيادة الجيش السوداني.
بات الإستنفار الشعبي والدعم الإقليمي للجيش السوداني يرتكز على حقيقة واحدة وهي أن المؤسسة العسكرية في أي دولة هي مؤسسة ولدت مع الدولة التي لا وجود لكيانها بدون تلك المؤسسة، وبالتالي يمكن إصلاحها في حال فسادها، فالمتحكم بها هم بشر وليسوا ملائكة حتى لا يخطئون، فهم قابلين للإصلاح كقابليتهم للجزاء والعقاب، وبالتالي لابد من مواجهة هذا التكالب والإصرار الذي تجاوز العرف والأخلاق والدين الساعي إلى تدمير الجيش السوداني وتجريفه وإقتلاع جذوره.
إستخباراتياً: نجح الجيش السوداني في تكريس مفهوم الإنشقاق المعنوي بين فرق ومنتسبي مليشيات الدعم السريع، بدليل ظهور مجموعة من منتسبي المليشيا يؤكدونأن هناك من صفوف الدعم السربع من ساهم في تسهيل عملية إستهداف “اللواء يعقوب” وتسليمه للجيش، وهذا مؤشر خطير وله ما بعده، وسيؤدي بكل تأكيد إلى بروز ظاهرتين تدركها كافة التنظيمات سياسية كانت أو عسكرية :
❖ الأولى: فرار جزء من منتسبي المليشيا من الخدمة، وهؤلاء إما أن يعلنوا إنضمامهم للجيش السوداني وإما أن يغادروا ساحة القتال ويعودوا لصفوف المواطنين المدنيين.
❖ الثانية: بروز فكرة إستبدال بعض القائمين على الفرق الأمنية للمليشيا وإن لزم الأمر إلى تصفيتهم، وهذا ما سنشهده في الوقت القادم. (وهو الأكثر ترجيحاً)
سياسياً : تراقب إنجامينا عن كثب تطورات الساحة السودانية وما ستؤول إليه الأمور خاصة بعد مقتل “اللواء علي يعقوب”، وتسريب وثائق أمنيه خاصة أبرزت حجم الإنشقاق والتخاذل الذي أحاط بفرق المليشيات بعد إطلاق “اللواء يعقوب” نداء رجاء وإستغاثة تبين بعد ذلك أن صداه لم يتعدى حدود حواس اللواء الخمسة، في إشارة واضحة على وجود قصور وإرتباك وضعف بات يطال مستوى تأمين قادة المليشيا.
كل الذي نتمناه ونترقبه الأن هو اللحظة التي سيبدأ فيها الرئيس “محمد كاكا” تنفيذ وثبة الإقدام “المؤجلة” للحفاظ على خط رجعة مع الخرطوم قبل فوات الأوان، فخبر مقتل “اللواء علي يعقوب” أثلج صدر الرئيس محمد ديبي تماماً مثلما أثلج صدور قوم مؤمنين، وهذه حقيقة قالها ويقولها ديبي الإبن وإن لم ينطق بها، فإذا كان هناك توافق مشترك بين الرئيس “محمد ديبي” والشعب التشادي فهو توافقهم الكامل على خطورة مليشيا الدعم السريع على مستقبل الدولة التشادية والجوار الإقليمي لها وضرورة إجتثاثهاوالقضاء عليها، ولكنها التقاطعات التي فرضت واقعاً مختلفاً لا تريده تشاد ولا يريده رئيسها ولا يريده شعبها.
في ظل التقارب السوداني الروسي، وقناعة الخرطوم بتطوير رؤيتها لمفهوم الأمن الإقليمي والتوجه غرباً لدول الساحل الإفريقي مؤخراً والذي لاقى ترحيباً تشهد له الأوساط الشعبية في تلك الدول، أرى أن ذلك سيساهم قريباً في إعادة فتح ملف الطلب التشادي للقاء القيادة السودانية (وهي بلا شك فرصة الخرطوم الذهبية لتولي الدفة).
د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفرقي