موبتي / عبدالله الكريلي
فى عام ٢٠١٣ تدخلت قوات فرنسا مصحوبة بالقوات الأممية لحفظ السلام فى مالي بحجة تصفية القاعدة فى مناطق النزاع بين الحكومة المالية ومكونات المجتمع الشمالي التى تطالب بانفصال إقليم #أزواد عن الدولة المالية منذ أزيد من ستين عاما، لكن فرنسا قامت بمهمتها بكل احترافية نجحت فى تصفيات شاملة للكوادر البارزة الوافدة والشخصيات المحلية التى ترى فيها خطرا على مصالحها الإقتصادية والإستراتيجية ،فى غرب إفريقيا ، مع محاولة من باريس لاكتساب العاطفة الشعبية من كل الأطراف المحلية
ثم إن فرنسا على إثر خلافات داخلية فجرتها ضربات استهدفت ثكنات تعتقد بماكو أنها خلف الخطوط الأمامية وأن المعلومات التى نجمت عنها الهجمات فرنسا هي التى أدلت بها للإرهابيين حسب تقارير صنفتها القيادة المالية مؤكدة وصحيحة ومن أشهر هذه الهجمات /بولكسي و/برابلي و/مندرو,
والتى أشاد بها بها أمير جماعة نصرة الإسلام والمسلمين فى مالى إياد أغ غالي فى شريط مصور فى خريف عام ٢٠٢٠ م ،وذكر أن جنوده أثخنوا فى دروع تحالف الساحل للدول الخمس المجاورة ،
نشب هذا الخلاف بين قادة الجيوش الأوربية فى مالي والوحدات الأمريكية وبين مجموعة من شباب ماليين بعضهم مع النظام القائم آنذاك بقيادة الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا ومن هذه التجمعات شخصيات من أحزاب المعارضة أبرزهم الأستاذ عمر ماركو المعروف مسبقا بمناهضته لسياسات فرنسا فى مالي والأنظمة الموالية لها، والذى تخلص منه المجلس العسكري الحاكم الآن الموالي لروسيا فى ظروف غامضة جدا، والشيخ محمود ديكو الذى ركب الموجة وقدم رجلا وأخر أخرى تظاهر مع الشعب للمطالبة برحيل القوات الفرنسية عن مالى ثم سرعان ما اكتشف التخطيط غير النزيه للمجلس العسكري الذى تسلم الحكم بحماسة شعبية وتمرد عنها للإستبداد بالقرار وأخذ تدابير كلها تهدف إلى تمديد فترة بقاء العسكريين فى الحكم ونبذ المدة التى تم توقيع اتفاقية شاملة مع الشعب حول إجراء الانتخابات فيها واختيار الشعب لحاكم منتخب من طرفه كما فى المعركة الأخيرة التى شنها أسيمي غويتا رئيس المجلس العسكري الحاكم ضد الحركات الموقعة على اتفاق الجزائر عام ٢٠١٥ برعاية أممية والتى تعمل ضمن إطار سياسي وطني منذ توقيع الاتفاقية وتندمج فى الأطياف السياسية والعسكرية والأمنية بشكل عام وكان لهذه الحركات الأزوادية حضورا لافتا فى الحوار الوطني الشامل الذى دعا إليه الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا عام ٢٠١٩م بعد امتناع من بعض كوادرها لحضور المؤتمر لكن عند انضمامها أظهرت فى الحوار نضجا ديبلوماسيا واعدا كان بمثابة تلقين خطوة أمامية بدقة متناهية فى التعبير عن الرأي العام لكل أحزاب المعارضة المالية بشهادة مراقبين دوليين ومحليين …
لكن الحكومة لم تلتفت لشيء من هذه الاعتبارات وقررت بمباركة روسية بعد مغادرة الفرنسيين للبلاد تاركين وراءهم اتفاقية فارغة المحتوى أشرفت عليها باريس يوم توقيعها فى العاصمة الجزائرية بين الحركات الأزوادية والحكومة المالية كحل تكتيكي يعتمد على إنجاح مشروع فرنسي يهدف إلى توفير فضاء يسع التفاهم بين الخصمين المذكورين حتى تعتمد عليهما فى حربها على خصومها فى الشمال ثم بعد إنجاح خطتها تركت الأمور كيوم بدايتها بدون حتى أنصاف الحلول المناسبة بين حليفين كان ينبغى لفرنسا أن تجعلهما فى نقطة عقلانية واسعة
قررت بماكو تصنيف هذه الحركات ضمن قائمة الإرهاب وقتالها لتحرير المناطق التى تسيطر عليها وكل هذا من أجل لفت أنظار الشعب فى الجنوب الذى يعانى من نقص خدمي كبير فى الصحية والتغذية وأيضا الكهرباء وكان للمجلس العسكري ما أراد من تمديد لفترة الانتخابات الرئاسية ولكنه يخوض معركة عميقة دون أي ترتيب مدروس لعواقبها ومجرياتها ،
وهؤلاء الشباب الذين أشعلوا فتيل التوترات السياسية بين بماكو وباريس بعضهم تأثر بعلاقات عربية وأخرى صينية _ روسية ، خرجت فرنسا بعد أن نجح شخصيات متوالية للقاعدة فى مالي من ذوي العقول العابرة للحدود نجحوا فى تمرير الكرة نحو الملعب الجنوبي الداخلي المتماسك والذى يمثل اللون الأسود المعروف بولائه للحكومة غالبية سكانه واستطاع الخطاب الديني المبثوث من طرف قادة وعلماء من تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي استطاع هذا الخطاب اختراق المجتمع الفلاني صاحب التقاليد والعادات الموغلة فى البعد المحلي والمعروف عنهم كونهم مجموعة من رعاة البقر مع ممارسات داخلية تتعلق بأنغام ورقص وأمجاد كلها تصب فى معنى واحد وهو تمجيد البقر ونسج الأساطير حول حقيقة امتلاكها حتى زعموا فى أسطورة شعبية أن البقر هبة من الله خاصة بالفلان وأنهم سرقوها فى يد سيدنا إبراهيم عليه السلام من مكة المكرمة واستاقوها إلى النهر المتوسط فى مالي #ماسينا ، والذى تعاقبت عليه مماليك تابعة لزعماء وقادة دين من الفلان على مر التاريخ ومع هذا البعد المحوري والذى يمثل مركزية البقر والرعي والعادات الإجتماعية لدى الفلان
فإن هذا المجتمع يمتاز بامتلاك فقهاء وعلماء دين يكرهون على ذمة المعتقد الديني الكثير من العادات الموجودة لدى مجتمع قبائل الدغون الوثنية التى تتصدر قائمة الأولويات الوطنية والتى تقوم على شرك محض من شرب للدماء واعتقاد آلهة وهمية تستغيث بها الشعوب وتدفع لها القرابين فى مواسم الزراعة والحصاد وبين هذين المكونين الفلان والدغون عداوة تاريخية مبنية على الدين والمعتقد منذ مئات السنين ونجحت فرنسا إبان غزوها لمالي قبل منحها استقلال زائف نجحت فى ترميم شيء من العلاقة الثنائية بين الفلان والدغون لكن القاعدة أثناء تمددها من الشمال المالي إلى جنوبها استغلت كثيرا من هذا الموروث الشعبي وضغطت عليه كفتيل للإشعال ، ونجحت فى ذالك نجاحا كبيرا واكتسبت ببعدها الديني الكثير من علماء الفلان ورعاتهم ولم تقدر فرنسا على تصفية الكثير من كوادر هذا التنظيم حتى تمكنت هذه الخطابات وردات الفعل التى تلتها من طرف الحكومة من تفعيل داخل الجنوب لفكرة القتال من أجل إقامة الدين الإسلامي فى مالي وتوظيف العوامل المؤثرة للتمدد فى الجنوب ودفع مليشيا الدغون الوثنية مع الحكومة المركزية إلى التقهقر والتراجع داخل الجنوب البعيد الذى لم يكن الطوارق وكل الثوار ضد حكومة مالي يحلمون فى الوصول إليه لولا عامل الفلان الذى قلب موازين المعركة وأنجح ضعف الأمن الجنوبي الداخلي وأثار الشكوك حول مصداقية الحكومة المالية وقدرتها على السيطرة …
وكان من العوامل التى ساهمت فى تصعيد وتيرة التمرد داخل المكون الشعبي الفلاني ما قامت به الحكومة المالية من تسليح إضافي لمليشيا قبائل الدغون الوثنية وتسييرهم لارتكاب إبادات جماعية فى الفلان كما حدث فى أغوساغو عام ٢٠١٩ م ،
وكان الشيخ محمد كوفا أمير كتيبة ماسينا المبايعة للقاعدة قد أضفى بعدا دينيا على هذه الجرائم التى قامت مليشيا الدغون بارتكابها فى قرى الفلان وأحيائهم كما صرح بذالك المحامي باري الذى قام وقتها بزيارة رسمية للشيخ كوفا وذكر فى لقاء متلفزة بعد عودته إلى بماكو أن كوفا فى صحية جيدة وأنه سيستثمر جرائم الكراهية ضد الفلان التى دفع بها نظام الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا بسوء تدبيره
واستعانت الحكومة المالية على خصومها بالروس متمثلة فى وحدات فاغنر العسكرية وارتكبت الحكومة المالية مع هذه المجموعة فى المدنيين وحتى فى الحكومة نفسها مجازر وحشية ذكرتنى وأنا قارئ للأحداث فى العالم العربى والآخر بما قام به بشار الأسد فى سوريا واجتياح الصرب للبوسنة والهرسك ونحن الآن نعيش تصاعد هذه الموجة مع تنامي الكراهية والمقاومة المضادة ضد الحكومة المالية وما سببته للشعب من كوارث جراء تواجد الفاغنر لكن الفلان وكل العاملين معهم من حملة المقاومة فى الشمال والجنوب يؤمنون إيمانا جازما بمواصلة العمل ضد الحكومة المالية وأيضا مرتزقة فاغنر الروسية…
وعندهم حسب تصريحات قادتهم العمل المسلح هو الخيار الوحيد فى المرحلة الراهنة كما فى الكلمة الحصرية التى صرح بها إياد غالى أمير الجماعة فى مالى للزلاقة الفرع الإعلامي للقاعدة وذكر فيها أن الحكومة المالية تقتل الشعوب وترتكب فيهم المجازر الوحشية لهدف إحراج المقاومة وإيقافهم موقفا مهزوزا من الثقة الشعبية المنوطة بهم …
وأن موجات النزوح التى سببت لها حكومة مالي مؤخرا جراء جرائمها فى الشعوب ستكون فى صالح المقاومة لأن إفراغ الأرض من سكانها سيحولها إلى بؤرة عسكرية لصالح القائمين فى غاباتها منذ سنوات طويلة ولن يستفيد منها جيش لم يكن يعلم عن طبيعتها شيئا منذ زمن قريب،
كتبه / عبد الله الكريلي
الخميس ١٤ ديسمبر ٢٠٢٣ ،