مقال رأي للكاتب عبدالله الشريف
الإفتتاحية :
يحكى أن رجلان لمحا سواداً بعيداً في الصحراء ، فقال أحدهم إنه عنزة وقال الآخر إنه غراب ، فما زالا يتجادلان حتى طار السواد ، فقال الأول هل رأيت قد طار إنه غراب ، فرد عليه الآخر : إنها عنزة ولو طارت . فأصبحت مثلاً للمتسك بقوله وإن أقيمت له الحجج والبراهين على خلافه.
التنويه :
قبل الشروع في المقال ، وعليه يجري الخوض في نياتي وخلفياتي وتصدر ضدي أحكام غيابية كما جرت عادة المتلقين الازواديين ، سأوضح عدة نقاط :
أولا : القضية الازوادية في السعي لنيل الكرامة وكافة الحقوق الإنسانية التي حرم منها جراء سياسات الحكومات المالية المتعاقبة منذ الإستعمار الفرنسي وحتى يومنا هذا ، لاشك بأنها قضية عادلة تكفلها الشرائع الوضعية فضلاً عن السماوية.
ثانيا : الحكومة المالية الحالية ، هي حكومة دكتاتورية تمخضت عن انقلابين متتاليين ، بعيدة كل البعد عن الشرعية والديمقراطية فضلاً عن عدم احترامها للعهود والمواثيق والاتفاقيات المحلية والدولية ، وأردفت ذلك بالاستعانة بمرتزقة فاغنر كي تتمكن من خلالهم في تنفيذ جرائم حرب ضد المدنيين الازواديين وقد شرعت في ذلك حسب التقارير وشهود العيان.
المقدمة :
لقد صنف المفكرون والباحثون مجلدات في الثورات وانواعها وسبل إنجاحها ، ويكاد الجميع يتفق على أن أهم نقطتين من أسس الثورة هما ( الجماهير ) و ( الهدف ) ، وعليه فإن ماخلا من ثبوت هاتان النقطتان قد يسمى أي شيء إلا الثورة .
وقد أكدت إيريكا شينوويث، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد على أن فرص نجاح الثورة السلمية عن طريق المقاطعة والعصيان المدني ، تفوق المسلحة بالضعف واوعزت ذلك إلى الجماهير مستدلة بعدة ثورات أهمها ثورة غاندي في الهند.
المحة :
فيما يتعلق بالشأن الازوادي فإن الدور الجماهيري مهمش تماماً لا من قبل الثورة ولا من بعدها ، حيث جرت عادة المسلحين في أزواد أن تنطلق الثورة دون أن يتم التنسيق مع الجماهير وبالتالي عدم النظر في سلامتهم ولا سلامة ممتلكاتهم ، مما يتركهم مرتعا للجيوش المالية التي لا تتورع عن إرتكاب افضع الجرائم بحقهم ، وقد حدث ذلك في جميع مدن مالي فضلاً عن براريها .
وبخصوص رأي الجمهور ، فهو رافض كل الرفض لما تم التوقيع عليه من اتفاقيات مع الحكومة المالية وقد عبر عن ذلك من خلال المظاهرات مرات عديدة بالإضافة إلى التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي ، ولم يكن من هؤلاء الذين وصفوا أنفسهم بكونهم ممثلين عن الشعب إلا الاستمرار في مشاريعهم ضاربين بعرض الحائط مطالب الشعب.
ثم إن الهدف والشعار الذي تم تهجير من لم يقتل من الشعب لأجله هو ” دولة أزواد , لا لمالي ” قد تم التنازل عن ذلك الحلم في أول امتحان دبلوماسي ، وتلاه سقوط البدائل واحداً بعد آخر ، من الحكم الذاتي ثم الفدرالية ثم المشاركات الإدارية ، وحتى مشاريع الاعمار والتنمية كلها تم إسقاطها مقابل حفنة من المال تلقتها القيادات وبعض الحقائب الوزارية والمناصب العسكرية والإدارية الصورية.
وحاليا فإن سادة القبائل والكثير من الوجهاء والمثقفين عبروا بضرس قاطع عن رفضهم للأحداث الأخيرة التي تجري في مالي ، وذلك لما تأكد عندهم بأن الهدف منها لا يمت بصلة لمصلحة الشعب ولا الوطن وانما هي خليط من السمسرة والرعونة غير آبهه لما يجره على الشعب المنهك أساساً من ويلات الحرب .
ثم إننا نجد أولائك الثوار الذين ملاؤا الأرض صخبا وضجيجا بشاعاراتهم عن الحرية والاستقلال ، مانزال نراهم متمسكين بحقائبهم الوزارية ومناصبهم العسكرية و الإدارية والتي ياللسخرية منحت لبعضهم من قبل الحكومة الانقلابية ، وحتى أن الانقلابيين قاموا بتسريح بعضهم قبل أيام في بيان رسمي.
الغاية :
وعندما نتساءل في الوقت الحالي عن الهدف الحقيقي أو حتى إسما أو صفة لما يجري هذه الأيام ، فإننا يجب أن نقوم بتفكيك وتحليل هذا الغثاء ونفصل الفقاقيع عن الاعواد ، حتى نميز كل واحدة على حدة ثم ننظر فيما جمعها وإلى أي حد يتم تجانسها.
أولا وعلى عجالة : القاعدة ومشتقاتها, مشروعهم صريح ومعلن عنه ولم يتغير منذ نشأتها . إذ لا علاقة لهم بتحرير أزواد ولا أي مشروع وطني أو ديموقراطي ، هم في حربهم ضد ( الكفار والمرتدين ) واستحدثوا صفة جديده لمن أعتزل هذه الحرب من الحركات المسلحة وهي ( الخوارج ) ، وهدفهم إقامة الإمارة الإسلامية في الصحراء .
وأما عن هدف الحركات التي ولدت من رحم المليشيات أمثال غاتيا و MAA الشهيرة بتابنكورت فهن حركات الفن كونهن سلاح مالي المسلط على أزواد ، وقد كانوا ومازالوا ضد فكرة الحرية والاستقلال .
في اعتقادي أنهم يمسكون العصا من المنتصف حيث بيقيت شخصياتهم الرئيسيه مثل الجنرالان الهجي وولد ميدو في صف الحكومة المالية ومعهما مجموعة من الزعامات القبلية ، بينما انضمت مجموعات منهم إلى الخليط المحارب لمالي ، ويبدو أن ذلك ليس إلا نكاية الزوجة الأولى بعد الزواج من الثانيه ، حيث أن الانقلابيين استعانوا بملشيات فاغنر كمليشيات رئيسة لهم ، الأمر الذي ينذر بالاستغناء عن المليشيات المحلية ، وبالتالي يهدد أساس وجودها واستمراريتها .
( مع كون هذا السبب هو الأكثر منطقية ووضوحا ،الا أنني في الحقيقة أشك في دافع آخر سوف أصرح به في لاحقا )
وبخصوص سيما فإن دافعهم هو الأكثر غرابة ، حيث أنهم تنازلوا عن الاستقلال وكل مطالب الشعب ، وبالمقابل فإن الحكومة المالية قد خرقت معهم الهدنات مرة بعد أخرى ، ولم تحترم معهم بنود الاتفاقية الدولية ، واضافت إلى ذلك انقالاباتها المتكررة على الحكومة الشرعية التي وقعت على الاتفاقية معها ، حتى وصلت إلى طرد القوات الأممية الراعية لتلك الاتفاقيات . و مع كل ذلك فسيما لم تحرك ساكنا ، وقد كانت من قبل وافقت على الإندماج ، والقوة المشتركة ، وقبلت الحقائب الوزارية والمناصب العسكرية والمدنية سواء من الحكومة الشرعية أو حتى اللانقلابية وماتزال متمسكة بها حتى يومنا هذا .
وفجأة ودون سابق إنذار أصبح انتشار الجيش المالي الذي هو أساسا منتشر من قبل بموافقة سيما أنفسهم في جميع مدن وبراري أزواد ، فجأة أصبح شيئاً خطيرا يستدعي تسعير الحرب ضد مالي ، وفي نفس الوقت ، المحافظة على الحقائب والمناصب التي حصلوا عليها .
التحليل :
في الحقيقة كل التصريحات التي صرحت بها قيادات الحركات الموقعة على الاتفاقية في وصف الدوافع والأهداف التي أدت إلى تسعير نيران الحرب في أزواد تفتقر للموضوعية والمنطقية وفي معظمها مجرد كلام إنشائي ، وعليه يجب علينا أن نفكر نحن في الأسباب حسب تحليل الأحداث ونظرة شاملة للصورة العامة.
بالنسبة لي شخصيا وصلت إلى ثلاثة احتمالات منطقية:
١- القاعدة ومشتقاتها وهم يعتبرون حالياً قوة كبيرة لا يستهان بها في أزواد وحتى في الدول المجاورة وقد قدمت لهم مالي على طبق من ذهب بعد خروج الفرنسيين والقوات الأممية ، وعليه فالجيش المالي لن يستطيع الصمود أمامهم حتى مع وجود فاغنر ، وبالتالي على الحركات الازوادية أن تختار جانباً الآن وإلا فإن مصيرها الفناء في حال تغلب أي طرف على الآخر.
٢- ( الإطار الاستراتيجي الدائم ) قد تشكل برعاية خارجية وحقق في التقارب والمصالحة بين الازواديين ماعجزت عنه الوجاهات المحلية والزعامات القبلية وحتى الاتفاقيات الدولية أو المحلية أمثال ( الشجرة ) ، وربما يكون يكون تسعير هذه الحرب جزءًا من أجندة رعاة هذا المشروع.
٣- ما قامت به الحكومة المالية من طرد الفرنسيين والقوات الأممية بعد أن قاموا بالدفاع عنها وإعادة تنظيم وبناء الدولة بعد سقوطها ، وإخضاع خصومهم الازواديين وقصقصة أجنحة القاعدة ومشتقاتها من أجلهم ، ثم لم يكتفوا حتى استعانوا بالروس في وقت قد اتخذ الغرب كلهم موقفاً واضحاً معاديا لروسيا بسبب حرب اكرانيا . بالتالي لابد أن يحرك الغرب شيئاً ضد حكومة مالي ،و ما هذا التسليح القادر على إسقاط الطائرات إلا دليلاً على ذلك كماحدث في أفغانستان إبان السوفييت .
التوقع :
بناءً على الأحداث الأخيرة في الساحة المحلية والدولية والاستقراء للحالات المشابهة في التاريخ الحديث فإن التوقعات المنطقية لحرب مالي وازواد لن تخرج عن ثلاثة سيناريوهات قد تندرج تحت كل واحد منهم احتمالات أخرى حسب الأحداث التي قد تطرأ على الساحة وتحرفالمسار قليلا ، وسوف أتطرق لكل إحتمال من الأضعف وحتى الأقوى.
١- مالي كما هي الآن ، وهو إحتمال ضعيف جدا ويكاد يكون مستحيلاً ، وهو باختصار أن تتمكن حكومة مالي من احتواء الثورة والقاعدة سواء كان بالحرب الميدانية أو بالمصالحة الوطنية وعليه يتم تشكيل حكومة ديمقراطية تشمل جميع الأطراف وتتخلص من فاغنر والعناصر الأجنبية من القاعدة.
أو تتمكن الحكومة الحالية بالتغلب على الجميع بالقوة وتبسط سيطرتها على كامل التراب الوطني وتتخلص من جميع جيوب المقاومة ، وهذا بالنسبة لي ثامن المستحيلات لأنه حتى يحدث ذلك ، تحتاج مالي إلى دعم لا محدود من الدول المجاورة وكذلك الدول العظمى.
٢- مالي الفصائل ، وهو إحتمال قوي عند بعض المحللين لكن بالنسبة لي أيضا ضعيف ، ويتلخص في أن يكون لكل قرية حكومة مستقلة ومنفصلة عن الآخرين ، ومن الطبيعي أن يكون البعض أقوى من البعض إلا أنه كلما يكاد يبسط أحد الفصائل سيطرته على الدولة تحالفت عليه بقية الأطراف حتى يفقد مكانته ، وبالتالي تبقى الدولة في نزاع مسلح إلى ما شاء الله.
٣- إمارة الصحراء ، وهو أقوى الاحتمالات عندي وذلك أن القاعدة والازواديين يدا بيد يسقطون الحكومة المالية عسكرياً حتى يبسطوا السيطرة على كامل الشمال وعند الوصول إلى العاصمة فإن اصدقاء القاعدة أمثال محمود ديكو يكونون بمثابة الحصان الأسود الذي يستطيع حشد التأييد للإمارة في الجنوب خصوصا وأننا نلاحظ بأنهم قد بدأوا منذ الآن في التحرك السياسي عبر التصريحات المناهضة للحكومة. كذلك ستقلب القاعدة الطاولة على الحركات ( العلمانية ) كما فعلت من قبل .
وبخصوص الحركات الازوادية في مواجهة القاعدة فإن آثار ( الانسحابات التكتيكية ) بعد إعلان دولة أزواد لم تمح بعد ، إضافة إلى أن القاعدة قد نجحت في حشد تأييد كبير من الشعب سواء من الذين احبطتهم سياسات الحكومة او وعود الحركات الكاذبة أو من الذين ألفت قلوبهم بالريال .
– أما بخصوص تدخلات خارجية فهي مستبعدة على الأقل في العقد القادم من الزمان ، عدى بعض التسليح هنا وهناك أو بعض المساعدات الإنسانية التي لن ترجح كفة عن أخرى.
الخاتمة :
ارفع القبعة لموسى اغ اشروتمان ( MSA ) حيث قام بفعل غاية في الشجاعة والنبل ، إذ أعلن اعتزاله هو وحركته لهذه الحرب ، ومحاولة تجنيب شعبه ويلاتها رغم التهديد والوعيد الذي وجه إليهم بالمقاطعة والحصار ووصفهم بالخوارج من قبل القاعدة .
وبالنسبة لي شخصيا فإن هذه الحرب مجرد مهلكة للارواح والممتلكات ومن دعى إليها من القيادات هم من قتل قضية أزواد وأحلام شعبه ، وبدلاً من الاعتذار للشعب عن كل ما سبق من الويلات التي تجرعها بسببهم ، هاهم يقحمونه في حرب أعتى وأشد وكل هذا حتى ينالوا مكاسب شخصية لأنفسهم ، ومازالوا يرددون ( ثورة أزواد ) مع أنهم قد أقروا بأنفسهم على لسان كبرائهم أن حلم أزواد قد طار.
عبد الله الخليفة الازوادي.