في تجسيد فعلي للمأساة الإنسانية التي خلفتها الحرب الدائرة في مالي، لآجئون وجدوا أنفسهم إلا في طريقهم نحو مخيمات اللجوء، والذين اعتبروه الملاذ الأخير، هربًا من المعارك الدامية في بلادهم على وقع النزاع وتوسعه من منطقة إلى أخرى.
ومنذ بداية الحرب كانت منطقة (أمبرا) داخل الأراضي الموريتانية، تحتضن الأجئين داخل مخيماتها، فبعد أن عاد الجميع إلى بلدانهم في تسعينيات القرن الماضي بعد توقيع اتفاقية سلام، تجدد الصراع 2012 عاد الجميع إلى المخيمات، وظل النازحون إلى أن وقعت اتفاقية أخرى في 2015 ورجعت قلة منهم، والأغلبية بقيت في المخيمات.
ومنذ أكثر من عام تجددت الصراعات في مالي بعد انتهاكت مليشيا فاغنير الروسية وقيامها بالعديد من الإعتداءات والنهب وما إلى غيره من الانتهاكات، على السكان المحليين والمدنين، واحتدامت الاشتباكات منذ شهر بين مالي ومليشيات فاغنير من جهة ومن جهة أخرى بين الحركات الإزوادية مما أضطرهم للعودة مخيمات اللجوء.
ويقدر عدد اللآجئون القادمون من مالي، في المخيمات الموجودة بمنطقة (أمبرا) داخل الأراضي الموريتانية منذ 2012، ما يقارب 50 ألف لآجئ.
صحيفة الرؤى الأفريقية سلطت الضوء على هؤلاء اللآجئون الفارون من العنف والباحثين عن الأمان على الأراضي الموريتانية، القاطنين المخيمات في أمبرا والذين بدورهم سردوا لنا قصصهم التي تجسد جزء يسير من الألم الذي يتعرضوا له..
يتحدث إلينا السيد علي ولد سياداتي الذي وصل أمس إلى مخيم اللاجئين الماليين بموريتانيا وهو تاجر عربي له عدة نشاطات تجارية في مدينة ليرا، يروي لنا السبب الذي دفعه للجوء مع أسرته إلى موريتاينا، يقول “لقد قتل الجيش المالي ومرتزقته الروس العديد من أخواني وأقاربي واخذوا أموالهم وسياراتهم”.
ويواصل ساردًا مأساته “عندما سمعنا أن مرتزقة فاغنير الروس في طريقهم إلينا بعد خروج الجيش الإزوادي من ليرا خفنا لأنهم سوف يقتلونا بدون أية رحمة من أجل أموالنا و من أجل الانتقام للهزيمة التي الحقها بهم الجيش الازوادي”.
ويسترسل قائلًا “أنا أتيت بأسراتي والقليل من أملاكي وتركت كل شيء هناك ونجوت بحياتي، الجيش المالي عنصري جدًا يقتلنا بسبب بشرتنا الفاتحة و مرتزقته الروس يقتلون حتى النساء بسبب مبالغ لا تصل إلى مائة دولار..”
هكذا كانت قصة السيد علي الذي نجا بنفسة وأسرته فارًا وتاركًا أملاكة وأمواله في مالي، بعد الهرب من مليشيا فاغنر الروسية والجيش لمالي للحفاظ على حياته من القتل..
وفي نفس المخيمات تتجدد العديد من القصص التي ترسم واقعًا مريرًا فرض عليهم فالسيد محمد اغ حمد أحمد هو أحد ضحايا الجيش المالي ومرتزقة فاغنير الروسية والذي يتواجد حاليًا في مخيم اللاآجئين الذي لا يقدم له أي سبيل من سبل العيش الكريم بعد أن كان من أهم التجار في مدينته اصبح من الفقراء ومعاق لا حول له ولا قوة يروي تفاصيل قصته..
“لقد كان يوم سوق اسبوعي طبيعي في بدايته لمدينتنا “كيتا” و كل سكان البوادي و القرى القريبة يعتمدون على سوقنا المحلية وكان اليوم عاديًا جدًا وجاء عشرات التجار للسوق والمئات من سكان البوادي والحواضر القريبة للتسوق وكان يومًا سعيدًا يبشر بارباح طائلة لنا نحن التجار، وفجأة حلقت طائرات فوقنا وهبطت وكان فيها جنود من الجيش المالي وجنود بيض جدًا علمنا أنهم من مليشيات فاغنير الروسية..”
يكمل حديثة “أوقفوا الجميع في طوابير وفتشوا الجميع رجال ونساء واخذوا منهم كل ما معهم من أموال حتى أنني اتذكر امرأة فقيرة معها ثمن الخبز فقط واخذه منها وهي تبكي، ثم بعد ذلك دخلوا محلاتنا أنا كان محلي فيه مبلغ ثلاث ملايين سيفا (حوالي ستة آلاف دولار) هذه ملكي أخذوها مني وكنت احتفظ بامانات لتجار آخرين تركوها عندي وكانت يتجاوز عشرة ملايين (حوالي عشرون ألف دولار) حتى هذه لم يتركوها، وحاولت المعارضة والاحتجاج وصرخت عليهم فاطلق أحدهم رصاصة على ساقي وقال لي إذا نطقت بكلمة ثانية ستكون الرصاصة التالية في رأسك، سكت وأنا اتألم ولدي نزيف حاد لأن نوع الرصاصة كبير وفتحت فجوة في ساقي ولا أحد يمكن أن يسعفني إلا بعد مغادرة الجيش المالي ومرتزقته الروس”.
ويواصل أحمد قصته وهو يتذكر واقعة الأليم “بعد أن نهبوا كل شيء أخذوا معهم ثلاثة أشخاص من بينهم أخي وقالوا إذا لم ندفع على كل واحد خمسة ملايين سيفًا (حوالي عشرون ألف دولار) سوف يقتلونهم بتهمة الإرهاب وعجزنا عن الدفع لأنهم أخذوا كل ما نملك، وطلبنا تبرعات والحمد لله جمعنا المبلغ وأرسلناه إلى الضابط المسؤول عن معسكر الجيش المالي في مدينة موبتي دفع المبلغ و سلموه أخواننا”.
وينتهي بروايته قصته قائلًا “ومنذ ذلك وأنا هنا في المخيم معدوم ومعاق والمخيم لا يقدم لنا شيء وأنا خسرت تجارتي ولا استطيع أن أعود إلى مدينتي التي اعرف كيف أعمل فيها، في المرة السباقة كانت الرصاصة في ساقي، وأخاف الآن أن أعود ويقتلوننا وخاصة بعد أن تذوقوا الهزائم على يد الجيش الإزوادي فهم ينتقمون من المدنيين العزل لأنهم لا يستطيعون مقاومة الجيش الإزوادي”.
يوجد خلف خيام المخيمات أصوات تئن وقصص تروي واقعًا من الألم الذي يتكبده اللآجئون من ويلات الحروب الذين أجبروا على ترك منازلهم ومدنهم قسرًا، ونأمل أن يلتفت أطراف الصراع لمعاناتهم ووضع حدٍ للنزاع.