ابراهيم الانصاري
من خلال ثلاثة أحداث متزامنة في القارة الإفريقية فمن مقتل 37 تلميذا في مدرسة وخطف آخرين في أوغندا مرورا بانفجار لغم أودى بحياة سبعة جنود في جنوب شرق النيجر، وانتهاء بوقوع قتلى في نيجيريا، في يوم واحد يلح سؤال وهو
الإرهاب والحرب عليه في إفريقيا إلى أين يتجهان؟
جوابا على هذا السؤال، وفي محاولة للاقتراب أكثر من الصورة التي خلفتها أكثر من عشر سنوات من مكافحة الإرهاب في دول الساحل نحول استجلاء شيء من الوضع الذي يمكن أن يرسم لنا معالم الحياة في إحدى ساحات المعاركة ضد الإرهاب
نحن هنا أسرى ينتظرون الموت
غاوا إحدى أكبر مدن أزواد التي شهدت يوما إعلان دولة أزواد كما شهدت إحدى أكثر فصول سطوة الجماعات المسلحة، في ضواحي هذه المدينة العتيقة وفي وقت سابق التقينا بأحد سكانها والذي يعد نموذجا يمكن القياس عليه حيث صور المأساة متكررة إلى حد التطابق.
بعد إلقاء السلام والتحية وكأنه يحمل أثقالا يريد أن يلقي بها أو يشرك غيره في حملها معه بادرني بقوله: “نحن هنا أسرى” وهو يتلفع عمامة مهترئة يغطي بها أجزاء من وجهه في مواجهة رياح الصيف الحارقة، ويواصل الكل يتحدث باسمنا ويزعم الدفاع عنا والبحث عن حمايتنا، لكن الحقيقية وأشار بخص يابس في يده إلى الفراغ أمامه ليس هناك إلا الموت، الخبر الوحيد الذي أصبحنا ننتظره ونتداوله بيننا هو تعداد ضحايا القتل، لأسباب لا يمكن فهمها ولا استيعابها، نحن ضحية لمعارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل، الأمن معدوم، والبنية التحتية في أسوء حالتها، والتنقل من مكان إلى مكان مخاطرة الداخل إليه مفقود والخارج منها مولود.
أصبحنا لا نتحدث عن الحياة وصعوباتها، أصبح حديثنا عن الموت وكيفياته، والمتسبب به، أليست هذه الحياة حياة أسرى.
الحكومة والجبهات والجماعات والمتطرفة والحرب على الإرهاب، ماذا تعني لكم هذه المسميات؟
أجاب بسؤال، هل سبق لك أن رأيت غزالا سقط في بركة ممتلئة بالتماسيح؟
هذه ليست مبالغة نحن أشبه بالفريسة قد يقتتل المتنافسون علينا لكن ليس لغرض حمايتنا، بل للانفراد بنا تحقيقا لمصالحهم، قد يكون منهم من ينسحب من الصراع مؤقتا لأسبابه الخاصة، أما نحن فلا أحد يسألنا ولا يسأل عنا، كل طرف يتخذ قراره ويحدد خصمه ويشن حربه دون النظر إلى أثرها علينا، والأغرب في هذا كله أن الجميع يزعم أنه يعمل من أجل مصلحتنا، وكل هذا الأطراف تعرف مصلحتنا إلا نحن كيف؟ لا أدري.
وعن الأمل في انفراج للأزمة يقول بعد أعاد التقاط أنفاسه وهو يسكب بقية ماء في يده ثم يجمع عليه أصابه، ويسأل هل يمكن الإمساك بهذا الماء؟ كذلك هو الأمل هنا تشعر به للحظات ثم تكتشف أنه مجرد وهم لا حقيقة له.
دول الجوار ألا توفر لكم متنفسا أو توفر لكم فرصا؟
المستجير بعمرو عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار
أي دول تقصد؟ النيجر أو بوركينافاسو أو نيجيريا كلها تعاني نفس الإكراهات، وقد جرب العديد من السكان اللجوء أليها ولكن الأوضاع إما أن تكون هي نفسها كما في النيجر أو أشد سوء كما في بروكينا فاسو.
ربما يكون الاستثناء الوحيد من هذه السردية هو الجزائر لعدة اعتبارات يأتي في مقدمتها كونها بلد نفطي إضافة إلى الحاضنة الاجتماعية العريضة خاصة في جنوبه، ورغم ذلك يمكن أن يكون النزوح حلا مؤقتا، لكن يستحيل أن يكون حلا دائما، وهنا يجب أن نتذكر الجارة الشمالية الغربية موريتانيا والتي كانت مقصدا للآلاف إبان أحداث التسعينات الدامية، ورغم مرور كل هذا الوقت لا تزال صفة اللجوء هي الصفة الملازمة لمن خرج مضطرا إليها، مع عدم إغفال محاولات الموريتانيين بذل ما يمكن بذله، لني أعود في أقول الهجرة ليست حلا جماعيا.
أراك تكرر النظر إلى هاتفك لماذا؟
رد بعد أن أعاد النظر إلى الهاتف، أتأكد من حال التغطية فهي غير منتظمة ولا مستمرة، وهذه إحدى مجالات التنافس للجهات التي ذكرتها سابقا، فأي جهة تغضب من أخرى تقطع عنا التغطية، يعني أن كل جهة منهم لديها ثأر مع الأخرى يمكنها الإضرار بنا من خلال قطع التغطية أو الطريق أو استحداث نقاط تفتيش ودفع رسوم وهلم جرى.
ثم ماذا؟
ثم لا شيء، كل ما سبق كان حديثا عن الشجرة التي تحجب الغابة، والحديث حول الغابة ذو شجون.
بعد هذا الحوار قام احمدو ينفض الغبار عن ملابسه الداكنة وهو يقول كل ما تسمعه من أخبار ومبادرات واتفاقيات ومؤتمرات لم ينتج لنا إلا رائحة الموت.