طرابلس / طارق عبدالقادر
في خطوة جديدة تحت شعار المصالحة نظم المبعوث الأممي عبد الله باتيلي لقاءات لقيادات عسكرية نظامية وغير نظامية لتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية في ليبيا.
كان أول اللقاءات في تونس ثم تلاه اللقاء الثاني في العاصمة طرابلس وأعلن خلاله عن أن اللقاء الثالث سيكون في مدينة بنغازي.
وتأتي هذه الخطوة كواحدة من ضمن خطوات تقول البعثة إنها لتهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال العام الجاري 2023م.
واختلفت القراءات لهذه الخطوة بين من يراها فصلاً من مسرحية وأد الثورة التي قامت في ليبيا 2011 والعودة للدكتاتورية والحكم الشمولي على غرار ما حصل في مصر وتونس من منطلق أن الديمقراطية في الدول العربية والإسلامية لن تنتج إلا حكاما يناصبون أمريكا والغرب العداء ويرون في إسرائيل كيانا غاصبا ومحتلا يجب الوقوف ضده.
وأصحاب هذا التحليل يرون أن المشهد الليبي إن سلم قياده للبعثة الأممية سواء تم إجراء انتخابات أم لم يتم مصيره الدكتاتورية والحكم الشمولي إما بوصول شخصية عسكرية على غرار مصر أو بشخصية مدنية على غرار تونس.
وسبب عدم ثقتهم في الأمم المتحدة كونها طيلة السنوات العشر الماضية لم تقف موقفا في مصلحة الليبيين بل كانت سياستها سببا في إبعاد شخصيات وتيارات وطنية منتخبة عن مصادر القرار وتهيئة الظروف لوصول شخصيات عسكرية وسياسية لم ينتج وجودها في المشهد إلا تعقيدا وتعميقا وتمطيطا للأزمة الأمنية والسياسية وزيادة معاناة المواطن الليبي على جميع الأصعدة.
والقراءة الأخرى – الأكثر تفاؤلا ربما – ترى أن توحيد المؤسسة العسكرية ما هو إلا لتكوين جسم قادر على تحقيق رغبة الولايات المتحدة وحليفاتها في إخراج النفوذ الروسي المتمثل في فاغنر من الأراضي الليبية وإبعادهم عن مصادر النفط والغاز وتحجيم أو ربما إنهاء وجودهم في كامل الأراضي الليبية.
وأصحاب هذا التحليل يرون أن أمريكا ربما تذهب لأبعد من توحيد المؤسسة العسكرية وتدفع باتجاه توحيد الحكومة بانتخابات أو بدونها – وهذا ما ظهرت بوادره مؤخرا – حتى تكون الدولة قادرة على اتخاذ قرارها بخروج القوات الأجنبية وعلى رأسها الفاغنر وربما تطلب المساعدة بشكل رسمي و( قانوني ) من الأمم المتحدة أو بعض الدول القادرة على المساعدة كالولايات المتحدة وبريطانيا.
وربما ترى أمريكا في ترتيب البيت الليبي ووضع كل اسم في القالب المناسب له نافعا لها أيضا في معركتها الاستراتيجية مع الصين حول التوسع في أفريقيا فليبيا بوابة مهمة من بوابات أفريقيا ولها من احتياطي الثروات ما يؤهلها لدور اقتصادي مهم على مستوى القارة بالكامل وهذا ما يجعل ليبيا في نظر الدول الاقتصادية الكبرى قطعة مهمة لايرغب أحد من اللاعبين أن يفرط فيها بدون مقابل.
وبغض النظر عن التحليلات المتوجسة من توحيد المؤسسة العسكرية لازالت هناك عقبة تعترض إكمال هذا المشروع وهو ضرورة حسم الموقف من وجود حفتر وإبنائه في الخارطة الجديدة للمؤسسة العسكرية فهو علاوة على أنه متهم بارتكاب جرائم حرب وأنه لا يحق له قانونا أن يترأس المؤسسة العسكرية باعتباره أسيرا سابقا وحاملا لجنسية أجنبية ولا يحق لأبنائه أيضا لأنهم مدنيون وأعطيت لهم رتب عسكرية بشكل غير قانوني
علاوة على ذلك كله صرح قادة عسكريون من غرب ليبيا برفضهم لحفتر وأبنائه بشكل قاطع وأن توحيد المؤسسة العسكرية لن يتم إلا باستبعادهم.
ومن المتوقع أن بعض الدول المتدخلة في ليبيا ستعترض على هذا الاعتراض وعلى رأسها مصر فهي ترى في حفتر مشروعها للسيطرة على القرار في الجارة ليبيا ولهذا السبب ستدفع مصر باتجاه الإبقاء على حفتر وأبنائه مهما حصل ولن يكون موقفها متناغما بشكل كامل مع سياسة الإدارة الأمريكية الحالية -بقيادة بايدن- التي لا تعتبر بقاء حفتر أولوية بالمقارنة مع إخراج نفوذ روسيا من المنطقة.
وخلاصة القول أن توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا بدأ وكان الإيعاز هي زيارة رئيس CIA لليبيا، وسيستمر نفخ أمريكا لإشعال جبهة عسكرية لقتال الفاغنر في ليبيا وسيكون دور أمريكا وحليفاتها هو الدعم اللوجستي على الأقل والمطلوب من الليبيين أن يقاتلوا ويموتوا في معركة لم يكونوا هم من خطط لها ولا يعرفون الآن موضعهم منها ولا كيف سيكون وضعهم مستقبلا ولا يعرفون من سيطلق صافرة النهاية ويعلن عن أسماء الفائزين ليعرف الخاسرون أنفسهم ويندمون ولات حين مندم.