لم يكن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جياني إنفانتينو، الوحيد عندما أكد أن نسخة كأس العالم، التي أقيمت في قطر، شهدت نجاحا باهرا على كل الصعد، من حيث البطاقات الحمراء والصفراء التي جاءت أقل مما كان عليه الحال في النسخة السابقة، وبأن مشاهدات المونديال تجاوزت 5 مليارات مشاهد حول العالم، متفوقة على كل النسخ السابقة، وأن مجلس الفيفا أجمع على الإشادة ببطولة 2022.
لقد بلغت إيرادات كأس العالم في قطر 7.5 مليار دولار بزيادة مليار دولار عن النسخة السابقة، وتم تنظيم 64 مباراة دون أي شغب أو تجاوزات.
ورغم أن الأرجنتين فازت بالبطولة، وفرنسا كانت وصيفتها، واحتلت كرواتيا مركز الترتيب الثالث، إلا أن البطولة كانت عربية بامتياز، بالنظر لنجاح تنظيمه قطريا، وتألق منتخب المغرب، فكان ذلك أول إجماع عربي مشترك على الاعتراف بالنجاح القطري وبالتألق المغربي، وهو ما يظهر للعرب أنفسهم، قبل الغير، أهمية وأفضلية ما يتفقون عليه.
فالنسخة القطرية، التي يحرص القطريون على تسميتها بمونديال العرب، جاءت كاملة الأوصاف، فلم تشهد شغبا في الملاعب ولا انحلالا في الشوارع، ووفرت الأمن والأمان للجميع دونما تمييز، وكشفت عن الوجه الناصع للحضارة العربية الإسلامية التي تحفظ المبادئ وتنفتح على التكامل، وتسعى للتفاهم في المشتركات، وتعترف بحرية الاختلاف.
لقد قدم مونديال قطر الثقافة العربية للجميع، فعبر الأجانب عن صدمتهم من مجانفة الصورة النمطية، التي طبعها الإعلام الغربي في مخيلاتهم عن العرب، للواقع الذي وجدوه وعاشوه طوال شهر كامل في قطر.
فلأول مرة يرى العالم، دونما وسيط إعلامي غير نزيه، منظومة القيم العربية المعززة بالإسلام، التي ترفض العري والفحش والسكر والعنصرية والفوارق والإلغاء والتعالي والتخلف، وتدعو، بل تجسد، العزة والكرامة والاحتشام والحب والمساواة والأخوة والكرم والحضارة.
لقد عاد الكثير من المشجعين بمدخراتهم، التي جمعوها بغرض الاستمتاع بالمونديال، فلم يضطروا لإنفاقها بعد أن آواهم العرب وأطعموهم وأمنوهم، وفتحوا لهم القلوب، وجعلوهم يشعرون بأن تغيير المكان لا يعني الغربة بالضرورة، وأن مودة البعيد قد تكون أقرب من ابتسامة القريب، وأن بعض الإعلام لم يخلق لاحترام المهنية، وإنما لإيصال رسالة خاطئة عن الآخر لتكوين صورة ذهنية عنه لدى المتلقي.. فأدرك المشجعون كم هم ضحايا لحملات تشويه ضد العرب والمسلمين.
إن ما بعد “مونديال العرب” لن يكون كما كان قبله، فقد فتح العالم عينيه على المباشر، بعيدا عن القطع واللصق، فشاهد كيف تمكنت حملات التضليل الممنهجة من إبقاء الجميع خارج دائرة الكواليس التي تعمل على تشويه صورة العربي المسلم قبل عرضها في الشاشات، لتثير الرعب، وتُبقي الصور النمطية، وتُذكي الاحكام المسبقة حول أمة انطلقت من أرضها كل حضارات الدنيا، وكل رسالاتها السماوية، وكل العلوم التي أسست لرقي الحضارات.
